هل العسر كل العسر مبق عزيمة ... ألا إنما حيث اليسار العزائم
تناولت عني بعد طول عناية ... وقد نهست مني الخطوب الأوازم
متى تنظر الدنيا غليَّ بنظرةٍ ... عينك نحوي أيها المتناوم
هنالك أغدو والسرور محالف ... بنيَّات قلبي والزمان مسالم
ألا إن ثلماً ف السماح عقوبتي ... كأني نظيرٌ أو كفىٌ مقاوم
أقلني عثار الظن فيك فلم تزل ... تقيل التي فيها تحز الحلاقم
وأنت الفتى كل الفتى في فعاله ... إذا ما وهبت الحق والحق قائم
وأكرم بخصم باع بالطَّول حقه ... وآثر حق المجد وهو مخاصم
بحق الوزير ابن الوزير وعيشهِ ... تأَمل ملياً هل العفو نادم؟
وإني لأعفو عن رجال وأتقى ... رجالاً وأدري أي قرن أصادم
فإن سد باب العذر فيما نقمته ... هواك فلي بالرأي فيه مخارم
ستعلم ما قدري إذا رقد الهوى ... فإن الهوى يقظان والرأي نائم
وما زالت الأشباه وهي كثيرة ... مجاهل فيها للبصير معالم
وأني شكور للأيادي التي غدت ... لها في رقاب العالمين خواتم
ومن قوله في ترك أتكال المرء على نسبه:
وما الحسب الموروث لا درَّ درهُ ... بمحتسب إلا بآخر مكتب
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبه ... من المثمرات اعتده الناس في الخطب
وأنت لعمري شعبه من ذوي العلى ... فلا ترض أن تعتد من أوضع الشُعب
وللمجد قوم ساوروه بأنفسٍ ... كرام ولم يرضوا بأُم ولا أَب
فلا تتكل إلا على ما فعلته ... ولا تحسبن المجد يورث بالنسب
فليس يسود المرء إلا بنفسه ... وإن عد آباءً كراماً ذوي حسب
ومن قوله في الشيب وفقد الشباب:
كفى بالشيب من ناه مطاع ... على كره ومن داع مجاب
حططت إلى النهى رحيلي وكلت ... مطية باطلي بعد الهياب
وقلت مساماً للشيب أهلاً ... بهادي المخطئين إلى الصواب
إلى أن قال:
سقى عهد الشبيبة كلُ غيثٍ ... أغرَّ مجلجل داني الرباب
ليالي لم أقل سقياً لعهد ... ولم أرغب إلى سُقيا سحاب
يذكرني الشباب هوان عتبي ... وصد الغانيات لدى عتابي
يذكرني الشباب سهام حتفٍ ... يصبن مقالي دون الإهاب
رمت قلبي بهنَّ فأقصدته ... طلوع النبل من خلل النقاب
فراحت وهي في بال رخي ... ورحتُ بلوعة مثل الشهاب
وكل مبارز بالشيب قرناً ... فمسبيُّ لعمرك غير ساب
ولو شهد الشباب إذاً لراحت ... وإن بها وعيشك ضعف ما بي
فيا غوثاً هناك بقيد ثأري ... إذا ما الثأر فات يد الطلاب
فكم ثأر تلاقت لي يداه ... ولو من بين أطراف الحراب
يذكرني الشباب جنان عدن ... على جنبات أنهار العذاب
تفيءُ ظلها نفحات ريح ... تهز متون أغصان رطاب
إذا ماست ذوائبها تداعت ... بواكي الطير فيها بانتحاب
يذكرني الشباب وميضُ برق ... وسجع حمامة وحنين ناب
فيا أسفاً ويا جزعاً عليه ... ويا حزناً إلى يوم الحساب
أأفجع بالشباب ولا أعزّى ... لقد غفل المعزي عن مصابي
تفرقنا على كره جميعاً ... ولم يك عن قلى طول اصطحاب
وكانت أيكتي ليد اجتناء ... فعادت بعده ليد احتطاب
أيا برد الشباب لكنت عندي ... من الحسنات والقسم الراغب
بليت على الزمان وكل برد ... فبين بلى وبين يد استلاب
وعز عليّ أن تبلى وأبقى ... ولكن الحوادث لا تحابي
لبستك برهة لبس ابتذال ... على علمي بفضلك في الثياب
ولو مُلِّكت صونك فاعلمنه ... لصنتك في الحريز من العياب
ومن قوله في الاستقلال من صحبة الناس:
عدوك من صديقك مستفادا ... فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه ... يحول من الطعام أو الثياب
إذا انقلب الصديق غداً عدواً ... مبيناً والأمور إلى انقلاب
ولو كان الكثير يطيب كانت ... مصاحبة الكثير من الصواب
ولكن قل ما استكثرت إلا ... سقطت على ذئاب في ثياب
فدع عنك الكثير فكم كثير ... يعاف وكم قليل مستصاب