بوجهك أضحى كل شيء منورا ... وأبرز وجهاً مثله للمغاضب
فلا تبتذله في المغاضب ظالماً ... فلم تؤت وجهاً مثله للمغاضب
وفي الناس أيقاظ لكل كريمة ... كأنهم العقبان فوق المراقب
يراعون أمثالي فيستنقذونهم ... وهم في كروب جمة وذباذب
إلى الله أشكو عمة لا صباحها ... ينير ولا تنجاب عتي لجائب
نشوب الشبا في الحلق لا هو سائغ ... ولا هو ملفوظ كذا كل ناشب
وقال في وصف خليل له:
خليل أظل إذا زارني ... كأني أنشأ خلقاً جديدا
أراني وإن كثر المؤنسو ... ن ما غاب عني فريداً وحيدا
بلوت سجاياه في النائبات ... فلم أبل منهن إلا حميدا
وقال يخاطب بعض ممدوحيه وقد أخر صلته:
للناس فيما يكلفون مغرم ... عند الكرام لها قضاء ذمام
ومغارم الشعراء في أشعارهم ... أنفاق أعمار وهجر منام
وفوات أوقات وهجر مكاسب ... لوز قوبلت خرجت من الإعدام
وتشاغل عن ذكر رب لم يزل ... حسن الصنيعة سابغ الأنعام
أفما لذلك حرمة مرعية ... إن الكرام إذاً لغير كرام
لم أحتسب فيك الثواب لمدحتي ... إياك يا ابن أكارم الأقوام
لو كان مدحي حسبة لم أكسه ... أحداً أحق به من الأيتام
لا تقلبن المدح ثم تعقه ... وتنام والشعراء غير نيام
وأعلم بأنهم إذا لم ينصفوا ... حكموا لأنفسهم على الحكام
وجناية الجاني عليهم تنقضي ... وعقابهم يبقى على الأيام
ومن رقيق شعره قوله:
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تدان؟
وألثم فاها كي تزول حرارتي ... فيشتد ما ألقى من الهيمان
وما كان مقدار الذي بي من الجوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحان ممتزجان
ومن قوله نكد الزمان:
إذا نلت مأمولا على رأس برهة ... حسبتك قد أحرزت غنماً من الغنم
ولم تذكر الغرم الذي قد غرمته ... من العمر الماضي ويا لك من غرم
رأيت حياة المرء رهناً بموتهِ ... وصحته رهناً كذلك بالسقم
إذا طاب لي عيشي تنغصت طيبه ... بصدق يقيني أن سيذهب كالحلم
ومن كان عيب يراعي زواله ... فذلك في بؤس وإن كان في نعم
وقال في وصف الأسد:
ليأمن سقاطي في الخطوب ونوبتي ... جنان الذي يخشى علي ويحذر
فما أسد جهم المحبا شتيمه ... خبعثنة ورد السبال غضنفر
مسمى بأسماءٍ فمنهم ضيغمٌ ... ومنهن ضرغام ومنهن قسور
له جُنة لا تستعار وشكةٌ ... هو الدهر في هذي وهذي مكفَّر
إهابٌ كتجفاف الكمي حصانة ... وعوج كأطراف الشباحين يغفر
وحُجنٌ كأنصاف الأهلة لا يني ... بهن خضاب من دم الجوف أحمر
تظل له غلب الأُسود خواضعاً ... ضوارب بالأذقان حين يزمجر
له ذمرات حن يوعد قرنه ... تكاد لها صم السلام تفطر
يراه سراة الليل والدوةُّ دونه ... قريباً بأدنى مسمع حين يزأر
يدير إذا جن الظلام حجاجه ... شهاب لظى يعشى له المتنور
خبعثةُ جأب البضيع كأنه ... مكسر أجواز العظام مجبر
له ككل رحب اللبان وكاهل ... مظاهر ألباد الرحالة أوبر
شديد القوى عبل الشوى مجد القرى ... مُلاحك أطباق القفار مضبر
إذا ما علا متن الطريق ببركه ... حمى ظهره الركبان والسفر أزور
أخو وحدةٍ تغنيه عن كل الضراءِ لصيده ... ويبرز للقرن المناوى فيصحر
بأربي على الأقران مني صولةً ... وقد أنذر التجريب من كان ينذر
وقال يستعطف بعض أصحابه ويعاتبه:
لعمري لقد غاب الرضى فتطاولت ... لغيبته البلوى فهل هو قادم؟
تعرفت في أهلي وصحبي وخادمي ... هواني عليهم مذ جفاني قاسم
ولو أبصرتني عين حاسدٍ ... لأضحى وأمسى حاسدين وهو راحم
أقاسم قد جاوزت بي كل غاية ... وليس وراء الحيف إلا المآثم
كأنك قد أنسيت أنك سيد ... له الفضل أو أنسيت أني خادم
أقصرت في فرض فمثلي قصرت ... به حاله عن كل ما هو لازم