أذكرتني معهدا كنا بجيرته ... نستقصر الدهر من حسن ومن طيب
لم أنس بالتلعات الجون موقفنا ... والحي ما بين تقويض وتطنيب
وقد بدا لعيون الصب سرب ظبا ... حفت بظبي ببيض الهند محجوب
لم تبد تلك الدمى إلا لسفك دمي ... ولا العذاب اللمى إلا لتعذيبي
ومن قوله:
أذكى بقلبي لاعج الاشجان ... برق أضاء على ربا نعمان
أجرى مدامع مقلتي أورى زنا ... د صبابتي أشجى فؤادي العاني
ما شاقني إلا لكون وميضه ... بربى الهوى ومعاهد الخلان
يا برق جد بالدمع في أطلالهم ... عني فسح الدمع قد أعياني
لم أسأل الأجفان سقي عهودهم ... إلا وجادت لي بأحمر قان
واها لأيام العذيب إذ اللوى ... وطني وسكان الحمى جيراني
إذ كنت طوعاً للهوى واللهو في ... ظل الشبيبة ساحب الأردان
تشجيني الورقاء إن صدحت على ... تلك الغصون بنغمة الألحان
ويشوقني بان النقا وحلول وا ... ديه وحسن الدار بالسكان
ومن قوله:
ألا لا تغضبن لمن تعالى ... ولا تبد الوداد لمن جفاكا
ولا تر للرجال عليك حقاً ... إذا هم لم يروا لك مثل ذاكا
وممن ذكر صاحب ((السلافة)) السيد حسن ابن شدقم الحسيني المدني، قال في حقه: واحد السادة، وأحد السادة في دست الرياسة، جمع إلى شرف العلم عز الجاه، ونال من خير الدنيا والآخرة مرتجاه، وله شعر بديع فائق، كأنه اقتطفه من أزهار تلك الحدائق، فمنه قوله حين أنف من مقامه في وطنه بين أقوامه وعطنه:
وليس غريباً من نأى عن دياره ... إذا كان ذا مال وينسب للفضل
وإني غريب بين سكان طيبة ... وإن كنت ذا علم ومال وفي أهلي
وليس ذهاب الروح يوماً منية ... ولكن ذهاب الروح في عدم الشكل
وهو من قول البستي:
وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها جيرتي وبها أهلي
وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل
ولمؤلف "السلافة" من أبيات في هذا المعنى:
وإني غريب بين قومي وجيرتي ... وأهلي حتى ما كأنهم أهلي
وليس غريب الدار من راح نائباً ... عن الأهل لكن من غدا نائل الشكل
فمن لي بخل في الزمان مشاكل ... ألف به من بعد طول النوى شملي
ومن شعر السيد المذكور:
لا بد للإنسان من صاحب ... يبدي له المكنون من سره
فاصحب كريم الأصل ذا عفة ... تأمن إن عاداك من شره
ونقل أيضاً عن ابنه السيد محمد بن حسن بن شدقم الحسيني, قال في حقه: فرع ثبت أصله فنما، وزكا جداً وأبا وابنما: طابت بطيبة مغارس جدوده وآبائه، وتفرعت بها مفارع مجده وآبائه، فانفسحت خطاه في الفضائل والمآثر، وأذعن لأدبه كل ناظم وثائر، له شعر غرد به ساجع براعته وصدح، وأورى زناد البيان بحسن بلاغته وقدح، فمنه قوله مذيلاً بيت أبي دهبل وهو قوله:
وأبرزتها بطحاء مكة بعدما ... أصات المنادي بالصلاة فأعمتا
فأرج أرجاء المعرف عرفها ... وأضوى ضياها الزبرقان المعظما
وحيا محياها الملبون وانتشى ... بنشر محياها الممنع واللمى
وروض منها كل أرض مشت بها ... تجر التصابي بين أترابها الدمى
هي الشمس إلا أن فاحمها الدجى ... هي البدر لكن لا يزال متمما
تجول مياه الحسن في وجناتها ... وتمنع سلسال الرضاب أخا الظما
وتسلب يقظان الفؤاد شارده ... وتكسو رداء الحسن جسماً منعما
مهام تصيد الأسد سهم لحاظها ... ومن عجب صيد الغزالة ضيغما
يعللني ذكر الحمى مترنم ... وما شغفي لولا الغزالة بالحمى
أصب لنجدي الرياح تعللاً ... ومن فقد الماء الطهور تيمما
وقد اقتفى السيد الذكور في هذه الأبيات أثر الشريف الرضي وقال رحمه الله في كتابه"الدرر والغرر":ذاكرني بعض الأصدقاء يقول أبي دهبل:
وأبرزتها بطحاء مكة بعدما ... أصات المنادى بالصلاة فاعتما
وسألني إجازة هذا البيت بأبيات تنضم إليه وأن أجعل الكناية عن امرأة لا عن ناقة فقلت في الحال:
فطيب رياها المقام وضوأت ... بإشراقها بين الحطيم وزمزما
فيا رب إن لقيت وجه تحية ... فحي وجوها بالمدينة سهما