للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكيف بمن قاسى سنين من النوى ... وراح من الهجران جلداً على عظم

فأحلى الهوى ما عز منه وعذبهُ ... منادمة الأحباب من بارد الظلم

ودم وابق يا نجل الملوك معظماً ... ولا زلت كنزاً للمكارم والحزم

قال أبن معصوم وكتبت إليه معاتبا:

أناس عفيف الدين أم أنت ذاكر ... عهوداً سقتهن العهاد البواكر

ومثلك من لم ينس عهداً وإنما ... هو الدهر لا يلفى على الدهر ناصر

وما أنت ممن يبخس الود عنده ... ولكن قضاء أوجبته المقادر

أورم لك العذر الجميل مصححاً ... وفاك وقد كادت تضيق المعاذر

أعيذك أن أمسي لودك عامراً ... ويصبح ودي وهو عندك داثر

أنا لك أصل في المروءة طاهر ... وفصل بأنواع الفتوة ظاهر

وإن تنسك الأيام عهدي فإنني ... وحقك للعهد القديم لذاكر

إليك أخا الهيجاء نفثة موجع ... رآك لها أهلا فهل أنت شاكر؟

ودم وابق واسلم ما تألق بارق ... وهب نسيم واستهلت مواطر

فراجعني بقوله:

أبا حسن قلبي بودك عامر ... ولم يخل من ذكراكم منه خاطر

ولولا مراعاة الزمان وأهلة ... لما عاقني بعدٌ ولا صدّ زاجر

ولكن لأحوال الزمان معاذر ... إذا كان هذا الدهر ممن نحاذر

أعيذك لا يخطر ببالك أنني ... سلوت وإن الود عندي داثر

أبي الله والمجد من قول قائل ... فلان لميثاق الأحبة غادر

وقد تقبل العذر الخفي تكرماً ... فما بال عذري واقف وهو مسافر؟

إليك أبا منصور عذراً تجمجمت ... به نفثات الود وهي حواسر

تجشمها فإني عن جوابك محجم ... ومعتذر عنه فقل أنا عاذر

وممن نقل عنه صاحب ((السلافة)) إبراهيم ن يوسف المهتار الملكي, قال في حقه: شاعر بذيء اللسان, كثير الإساءة قليل الإحسان, وقد نقل من محاسن شعره مقاطيع جيدة تدل على جودة شعرة, وإنه ليس بدون من نقل عنه, ولكن للناس فيما يعشقون مذاهب, وقد ذكر له قصيدة قالها لما وقع البيت المعظم وهي:

ماجت قواعد بيت الله واضطربت ... واهتزت الأرض من أقطارها وربت

وأمست الكعبة الغراء واقعة ... مما أشك بأن الساعة أقتربت

فأي خطب به أحشاؤنا انصدعت ... وأي هول به ألبابنا سلبت

وأي دهر لقينا من نوائبه ... ما لو على الشامخات الشم لا نسربت

إنا إلى الله من دنيا منغصة ... أيامها مستردات لما وهبت

أبدت عجائب لا تقوى العقول لها ... وأي نفس من الأيام ما عجبت

هي التي لعبت جدت وفت غدرت ... قست ألانت أبت دانت نأت قربت

كم رام أهل النهى من قبل أعصرنا ... صفواً لعيشهم من شوبها فأبت

وكم أرادوا بإدراك ومعرفة ... تقويم منآدها بالرأي فاضطربت

فما نرجي وقد ولت بشاشتها ... وأوجه الأنس من لذاتها شحبت

ما بعد منظر بيت الله منهدماً ... تلقى حشاشة حر في البقا رغبت

فأي عين على ما كان ما انسكبت ... وأي روح على ما صار ما وصبت؟

لهفي على كعبة الله التي افترقت ... أحجارها بعدما في حبها اصطحبت

لهفي على تلكم الأستار كيف غدت ... أيدي سبا وبوحل السحب قد سحبت

لهفي على تلكم الآثار كيف عفت ... وكيف جذت حبال الوصل واقتطفت

لهفي على تلكم الأطفال كيف قضت ... وكيف جذت حبال الوصل واقتضبت

لهفي على تلكم الأقمار ما شرقت ... بالماء إلا بآفاق الثرى غربت

لهفي ولست لعمري منشداً أبداً ... سقى منى وليالي الخيف ما شربت

فكم بأكنافها من مهجة ذهبت ... وكم جنوب على ساحتها وجبت

وكم بذلك من ذكرى ومعتبرٍ ... لمن تذكر لكن النهى عزبت

يا خالق الخلق عفواً عن جرائمنا ... فخوف أنفاسنا مما قد ارتكبت

وقوله من صدر قصيدة:

قف بالمعاهد من ميثاء ملحوب ... شرقي كاظمة فالجزع فاللوب

واستلمح البرق إذ تهفو لوامعه ... على النقاهل سقى حي الأعاريب

يا حبذا إذ بدا يفتر مبتسما ... أعلى الثنية من شم الشناخيب

والجو مضطرم الأحشاء يحسبه ... برداً أصيب حواشيه بالهوب

يا بارقاً لاح وهناً من ديارهم ... كأنه حين يهفو قلب مرعوب

<<  <   >  >>