الشيخ حسن بن شهاب الدين بن حسين بن خاندار الشامي الكري العاملي، طود رسا في مقر العلم ورسخ، وخطة الجهل بما خط نسخ، رأيته فرأيت منه فرداً في الفضائل وحيدا، وكملاً لا يجد الكمال عنه محيداً، تحل له الحبا وتعقد عليه الخناصر، أو في على من قبله, وبفضله اعترف المعاصر، يستوعب قماطر العلم حفظاً بين مقروء ومسموع، ويجمع شوارد الفضل جمعاً، هو في الحقيقة منتهى الجموع حتى لم ير مثله في الجد على نشر العلم، وإحياء مواته، وحرصه على جمع أسبابه وتحصيل أدواته، ثم ذكر انه في آخر عمره تعاطى علم الطب، ولم ينجح فيه، ثم قال ومع ذلك فقد طوى أديمه، من الأدب على أغزر ديمة، ومتى تقهقهت لهاته بالشعر، أرخص من عقود الآلي كل غالي السعر، إلى ظرف شيم وشمائل، تطيب بأنفاسها الصبا والشمائل، وإلمام بنوادر يحلي بها حديثه والحديث شجون، ولم يزل ينتقل في البلاد وينقلب، حتى قدم على الوالد قدوم أخي العرب على آل المهلب، وذلك في سنة ١٠٧٦سبع وسبعين وألف، فأحله الوالد لديه، محلا عقد فيه نواصي الآمال بين يديه، وأمطره سحائب جوده وكرمه، ورد شباب أمله بعد هرمه، فأقام بحضرته بين خير وخير فقد ما شان من شانه تأخير حتى خوى من أفق الحياة طالعه، وأدجت بأفول عمره مطالعه، توفي رحمه الله يوم الاثنين لأحد عشرة بقيت صفر سنة ١٠٧٦ست وسبعين وألف عن أربع وستين سنة ٦٤ تقريباً، وله من المصنفات شرح (نهج البلاغة) ، و (عقود الدرر في حل أبيات المطول والمختصر) و (الاغاني) و (الاسعاف) وغير ذلك ومن شعره ما مدح به، وهي من غرر القصائد:
بدت لنا وظلام الليل معتكر ... فقلت شمس الضحى لاحت أم القمر
جاء البشير وقال الشمس قد بزغت ... ليلاً فصار عياناً ذلك الخبر
فقل لمن لامني في حبها سفها ... إليك عني فإني لست أعتذر
هي الحبيبة إن جادت وإن بخلت ... وكل ذنب جناه الحب مغتفر
سيان عندي إذ صح الوداد لها ... أقل في حبها اللاحون أم كثروا
لها المودة مني ما بقيت ولي ... حظ المحب وحظ العاذل الحجر
يا منية النفس إن دام الوصال لنا ... فلا أبالي أغاب الناس أم حضروا
ما لذة العيش إلا ما سمحت به ... أنت الحياة وأنت السمع والبصر
لم يلهني عنك مطلوب ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا وتر
فقت الحسان وفقت العاشقين معاً ... فلو أرادوا لحاقاً بي لما قدروا
لاغرو أن أنكروا حالي فما سمعوا ... بمثلها في الهوى يوماً وما نظروا
مالي وما لفتاة الحي قد صرمت ... حبلي وأنكرني أترابها الأُخر
هيفاء وافرة الارداف مائلة الاع ... طاف ما شانها طول ولا قصر
بيضاء وردية الخدين وجنتها ... يكاد منها سلاف الراح يعتصر
لم يبق لي بعدها صبر ولا جلد ... ولا فؤاد ولا عين ولا أثر
إن كان قد راعها فودي فلا عجب ... إن شاب رأسي ففي الأيام معتبر
يا منيتي لا تراعي من ضنى جسدي ... فنار حبك لا تبقي ولا تذر
لا تجزعي من نحولي وانظري هممي ... قد يعجز السيف عما تفعل الإبر
ولا تكوني على قرب المزار لنا ... كبقلة الرمل لا ظل ولا ثمر
ما الشيب عار ولا شيء أعاب به ... فلا تظنيه ذنباً ليس يغتفر
أن تهجريني فإني عنك في شغل ... من لذة العيش حيث الماء والشجر
في ظل أروع مازالت أوامره ... تجري على وفق ما يجري به القدر
ماضي العزيمة لا ضعف ينهنهه ... عما يروم ولا في عوده خور
بحر من الجود لم تكذب خمائله ... يوماً ولا أخلفت إذ يخلف المطر
وليث غاب يهاب الليث سطوته ... في مأزق يحتويه البدو والحضر
إذا استدارت رحى الحرب العوان غدا ... يمشي العرضنة لا وانٍ ولا ضجر
كأنما في مثاني درعه أسد ... ششن البراثن مرهوب الشبا زئر
ما جردت في لظى حرب صوارمه ... إلا وكادت قلوب الشوس تنفطر
يرون منها نجوم الليل ساطعة ... عند الضحى والقنا كالغاب مشتجر
فقل لمن لامني في مدحه سفهاً ... هل لابن معصوم مثل حين يفتخر؟
من أسرة شهدت غلب الرجال لهم ... بالغلب حيث يبين النبع والعشر