نشأت أحب الغيد طفلاً ويافعاً ... وكهلا ولو أوفى على المئة العمر
وهن وإن أعرضن عني حبائب ... لهن علي الحكم والنهي والأمر
أحاشيك بي منهن من تعرضت ... لنوء الثريا لا ستهل لها القطر
ترقرق ماء الحسن في نار خدها ... فماء ولا ماء وجمر ولا جمر
فيا بعد ما بين الحسان وبينها ... لهن جميعاً شطره ولها الشطر
برهرهة صفر الوشاح إذا مشت ... تجاذب منها الردف والعطف والخصر
من البيض لم تغمس يداً في لطيمة ... وقد ملأ الآفاق من طيبها نشر
تخر لها زهر الكواكب سجداً ... وتعنو لها الشمس المنيرة والبدر
تخال بخديها من النوم لوثة ... وتحسبها سكرى وليس بها سكر
وقالوا إلى هاروت ينسب سحرها ... أبى الله بل من لحظها يؤخذ السحر
تخالف حالي في الغرام وحالها ... لها محض ودي في الهوى ولي الهجر
فيا ويح قلبي كم يقاسي من الهوى ... ويا ويله كم لا ينهنهه الزجر
على أنني لا جازع إن تباعدت ... بها الدار أو عز التجلد والصبر
فمدح عماد الدين دامت سعوده ... هو القصد لا بيض الكواعب والسمر
شريف له في كل قلب مدينة ... عزيز له في كل جارحة مصر
من النفر البيض الألى شيدت لهم ... صدور العوالي والمهندة البتر
إذا عد أهل الفضل كان إمامهم ... وإن عد أهل البذل كان له الفخر
نهوض بأعباء المكارم كلها ... وإن ضاق عنها ماله رحب الصدر
له تسعة الأعشار من رتب العلى ... وسهم بقايا الناس منها هو العُشر
تجلُّ عن الدنيا وإن جل قدرها ... يمين ابن معصوم ونائله الغمر
وما بي إلى نوء السماكين حاجة ... وقد لامست كفي أنامله العشر
فلا وعده خلف ولا البرق خلبٌ ... ولا جوده مطل ولا سيبه نزر
علقت بحبل منه لا عن جهالة ... فلم تلهني عنه العراق ولا مصر
وخضت إليه البحر لا أرهب الردى ... فصادفت بحراً لا يقاس به بحر
وأدركت من نعماه ما دونه الغنى ... فدامت لي النعمى ودام له الشكر
لئن ملت يوماً عن هواه لغيره ... فلا كانت الدنيا ولا وفر الوفر
فكفران ما أسدي إلي من الندى ... هو الكفر لا بل دونه عندي الكفر
وإن أنكر الحساد سابق فضله ... أقر له الركن اليماني والحجر
وما قلت ما قد قلت إلا تعللا ... وإلا فماذا يبلغ النظم والنثر
فلا زال محروس الجناب مؤيداً ... من الله ما دام السما كان والنسر
وقال أيضاً يمدحه وزعم أنه عارض بها معلقة امرىء القيس:
لمن طلٌ أقوى بدارة جلجل ... ذكرت به ما مر عن عيشي الجلي
وقفت به والعين عبرى كأنما ... يذر بجفنيها سحيق القرنفل
فلم يرى طرفي غير أطلال دمنة ... خلت وخوت واختل معهدها الخلي
برغمي إرغام المطي على السرى ... وإنزال ضيف الدمع في كل منزل
إلى كم هيامي لا يزول على المدى ... وحتام قلبي في اسار التعلل؟
إذا ما مضى يومٌ من الدهر مدبر ... فجعت بفينان من العيش مقبل
يعنفني في الحب قومي سفاهة ... وهيهات كم خالفت في الحب عذلي
يقولون بعت الحلم بالجهل عامداً ... فقلت لهم من يعشق الغيد يجهل
دعوني زمن قد هام قلبي بحبها ... وقلبي لديها كالأسير المسلسل
فما قربها إلا الحياة وطيبها ... وما بعدها إلا الحمام المعجل
بعيدة مهوى القرط خمصانة الحشا ... أسيلة مجرى الدمع ريا المخلخل
صقيلة ما بين التراب والطلى ... كحيلة طرف العين لا عن تكحل
أشارت لعقلي حين جد بي الهوى ... وقالت له ما تصنع الآن فارحل
فيا قلب كن عوني على ما ينوبني ... ويا كبدي ذوبي ويا عيني أهملي
ٍأساحرة العينين معسولة اللمى ... ملكت فؤادي فاجملي أو تجملي
أطعت الهوى والشوق فيك صبابة ... وأصبحت عن قلبي وصبري بمعزل
صلي واقطعي وارضي إذا شئت واغضبي ... على وجوري ما بدا لك واعدلي
فلا يطمع الواشون مني بسلوة ... ولا الحبل متبول ولا الحب منسلي