كم ليلة بت أشكو من تطاولها ... علي والأفق داجي القلب كافره
وأرقب الشهب فيه وهي ثابتة ... كأنما سمرت منها مسامره
حتى بدا الصبح يحكي وجه سيدنا ... قاضي القضاة إذا استجداه زائره
له صبح تجلى للشريعة عن ... ذاك الجلال وقد جلت مآثره
أفدي البريد وللتقليد في يده ... (مخلق تملأ الدنيا بشائره)
يكاد يلمع مطوي السطور به ... حتى ينم على فحواي ظاهره
مسرة كان طرف الشرع يرقبها ... ومطلب كانت العليا تجاوره
قاضي القضاة جلال الدين قد وضحت ... سبل القريض وصاغ القول ماهره
هذي كؤوس الثنا والحمد مترعة ... (باكر صبوحك أهنى العيش باكره)
واسمع مدائح قد فاه الجماد بها ... (وقد ترنم فوق الأيك طائره)
ما أحسن الدين والدنيا يسوسهما ... والطيلسان فلا تخفى مفاخره
كأن أبيض هذا تلو أسود ذا ... عين الزمان الذي ما زاغ باصره
حيث المقاصد في أبوابه زمراً ... فليس للدهر ذنب وهو غافره
فاستجل طلعة ذي بشر وذي كرم ... كالغيث بارقه الساري وماطره
تصبو لحبر فتأويه لواحظنا ... فما عيون المها إلا محابره
وينفذ الأمر كالسهم القويم فما ... تحيد عن غرض التقوى أوامره
لا شيء أحسن من مرآه مقتبلاً ... إلا محاسن ما ضمت سرائره
تجلو المهابة في ناديه رونقها ... فما تكاد بنجوانا نجاهره
ويفهم السر من حاجات أنفسنا ... فما نطيق على أمر نساتره
يا حاكماً صان سوح الدين عاضده ... ففاز بالشرف المأثور ظافره
انظر لحال غريب الدار مفتقر ... طال الزمان وما سدت مفاقره
نعم الفتى أنت قد برت أوائله ... في المكرمات وقد أربت أواخره
يممته دلفي الأصل منتسباً ... تأبى معاليه أن تخفى عناصره
لا يستقر بكفيه الثراء فما ... تلك الخطوط بها إلا معابره
زكا وأمكنه فعل الجميل فما ... في الناس لو قصرت جدواه عاذره
ما بعد علياه ركن أستجير به ... من الخطوب ولا بحر أجاوره
لئن تفرد بالعلياء سؤدده ... لقد تفرد بالآداب شاعره
وقال يمدح المؤيد لدين الله بن أيوب:
أهلاً بطيف على الجرعاء مختلس ... والفجر في سحر كالثغر في لعس
والنجم في الأفق الغربي منحدر ... كشعلة سقطت من كف مقتبس
يا حبذا زمن الجرعاء من زمن ... كل الليالي فيه ليلة العرس
وحبذا العيش مع هيفاء لو برزت ... للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس
خود لها مثل ما في الظبي من ملح ... وليس للظبي ما فيها من الأنس
محروسة بشعاع البيض ملتمعاً ... ونور ذاك المحيا آية الحرس
يسعى ورا لحظها قلبي ومن عجب ... سعي الطريدة في آثار مفترس
ليت العذول على مرأى محاسنها ... لو كان ثنى عمى عينيه بالخرس
إني وإن علقت بالقلب صبوتها ... لمحوج العيس طي الضوء والغلس
سفينة ليستجري بي لذي بخل ... إن السفينة لا تجري على اليبس
تؤم باب ابن أيوب إذا اعتكرت ... سود الخطوب كما يؤتم بالقبس
المانح الرفد إفناناً مهدلة ... فما يرد جناها كف ملتمس
والرافع البخل في الدنيا وساكنها ... بجود كفيه رفع الماء للنجس
محا المؤيد بأس المقترين فما ... تكاد تظفر جدواه بمبتئس
واستأنس الناس جدوى كفه فرووا ... عن مالك خبر العليا وعن أنس
ملك يقاس مجاريه بسؤدده ... إذا تقاس عير الدار بالفرس
وينتهي لضحى بشر مؤمله ... إذا انتهى من بني الدنيا إلى عبس
مظفر الجد مشاء على جدد ... من حلمه اللدن أو من حربه الشرس
يخفى اللها ودنانير الضلات بها ... تكاد تطرب للأسماع بالجرس
وينشر العلم لا قول بمختلف ... إذا رواه ولا معنى بملتبس
ويشبع الأمر آراء مسددة ... تمضي وتدفع صدر الحادث الشكس
تكون كالعضب أحياناً وآونة ... تكون من وقعات العضب كالترس
لو باشر الأفق يوماً بين طلعته ... لما سمعت بنجم ثم منتحس