سؤالك هذا الربع أين جوابهُ ... ومن لا يعي للقول كيف خطابهُ
وقفت وما يغنيك في الدار وقفة ... سقى الدار غيث مستهل سحابه
غناؤك في تلك المنازل ناظر ... بدمع توالى غربه وانسكابه
إلى طلل أقوى فلم بعدها ... بمغنيك شيئاً قربه واجتنابه
ذكرت كأيام الشبيبة عهده ... وهل راجع بعد المشيب شبابه
وقد كان ذاك العيش والغصن ناعم ... يروق ويصفو كالرحيق شرابه
وجدت لقلبي غير ما تجدينه ... أسى في فؤادي قد أناخ ركابه
يفيض ختام الدمع يا ميّ حسرة ... ذهاب شباب لا يرجى إيابه
ودهر أعاني كل يوم خطوبه ... وذلك دأبي يا أميم ودأبه
مسوق إلى ذي اللب في الناس رزؤه ... ووقف على الحر الكريم مصابه
وحسبك مني صر أروع ماجد ... بمستوطن ضاقت عليه رحابه
يبيت نجي الهم في كل ليلة ... يطول مع الأيام فيها عتابه
قضى عجباً منه الزمان تجلداً ... وما ينقضي هذا الزمان عجابه
تذاد عن الماء النمير أسوده ... وفد تلغ العذب الفرات كلابه
ألم يحزن الآبي رؤوس يطامنت ... وفاخر رأس القوم فيها ذنابه
وأعظم بها دهياء وهي عظيمة ... إذا اكتنف الضرغام بالذل غابه
متى ينجلي هذا الظلام الذي أرى ... ويكشف عن وعد الرجاء كذابه
وتلمع بعد اليأس بارقة المنى ... تفل مواضيه وينبو حرابه
عقور على شلوي يعض بنابه ... وتعدو علينا بالعوادي ذئابه
رمته الروامي بالسباب مذمة ... وما ضر في عرض اللئيم سبابه
تفحصت إخواني فلم أر فيهم ... قويماً على نهج الوفاء اصطحابه
أفي الناس لا والله من في إخائه ... تشد علي العظم المهيض عصابه
يساورني كأس الهموم كأنما ... يمج بها السم الذعاف لعابه
وأبعد ما حاولت حراً دنوه ... دونك مما يرتضي واقترابه
يصيبك منه شهده دون صابه ... إذا كان ممزوجاً مع الشهد صابه
يريك الرضى والدهر غضبان معرض ... وترجوه للأمر الذي قد تهابه
لك الله ليست في المشارع شرعة ... ولا منهل عذب يسوغ شرابه
وما الناس إلا مثل ما أنت عارف ... فلا تطلبن الشيء عز طلابه
بلوت بهم حلو الزمان ومره ... فسيان عندي عذبه وعذابه
كأني أرى (عبد الغني) بأهله ... غريباً من الأشراف طال اغترابه
يميزه عنهم سجايا منوطة ... بأروع من زهر النجوم سخابه
ثمين لآلي العقد حالية به ... من الفضل أعناق الحجى ورقابه
إذا ناب عن صوب الغمام فإنه ... إذا لم يصب صوب الغمام منابه
تألق فانهلت عزاليه وارتوى ... به ربع راجيه وسالت شعابه
أتعرف إلا ذلك القرم آبيا ... على الدهر يقسو أو تلين صلابه
تسربل فضفاض الأبوة كلها ... وزرت على الليث الهصور ثيابه
ولم ينزل الأرض التي قد تطامنت ... ولو أن ذاك الربع مسكا ترابه
لقد ضربت فوق الرواسي وطنبت ... على قلل المجد الأثيل قبابه
فأصبحت الشم العرانين دونه ... وحلق في جو الفخار قبابه
أبى الله والنفس الأبية أن يرى ... بغير المعالي همهُ واكتئابه
فدانت له الأخطار بعد عتوها ... وذلت له من كل خطب صعابه
ومجتهد في كل علم أبية ... فلا يتعداها لعمري صوابه
بفكر يرى مالا يرى فكر غيره ... يشق جلابيب الظلام شهابه
مقيم على أن لا يزال قطاره ... يصوب وهذا صوبه وانصبابه
وناهيك بالندب الذي إن ندبته ... كفاك مهمات الأمور انتدابه
ذباب حسام البأس جوهر عضبه ... وما الصارم الهندي لولا ذبابه
عليم بما يقني الثناء وعامل ... وداع إلى الخير العظيم مجابه
إذا انتسب الفعل الجميل فإنما ... يكون إلى رب الجميل انتسابه
وإني متى اخليت من ثروة الغنى ... وأغلق من دون المطامع بابه
بدا لي أن أعشو إلى ضوء ناره ... وأصبو إلى ذاك المريع جنابه
فأصدرني عنه مصادر وارد ... من اليم زخار النوال عبابه
فاصبح مرموق السعادة بعدما ... خلت ثم لا زالت ملاءً وطابه