وفي سنة ١٢٥٠ ألف ومائتين وخمسين، كان بين الإمام تركي، وبين آل خليفة حكام البحرين محاربة، وأرسل جيشاً بقيادة ابنه فيصل، ونزل القطيف. فقدر الله أن مشاري بن عبد الرحمن آل سعود أزه الشيطان على قتل خاله الإمام تركي المذكور بغياً وعدواناً، فلما بلغه الخبر كر راجعاً إلى بلد الأحساء وبايعه أهل الأحساء وعامة الجند والبادية، وسار إلى بلد الرياض ومشاري بها، فحاصره عدة أيام ثم ظفر به وقتله ومن معه. فقال الشيخ معزياً للإمام فيصل رحمه الله مادحاً وناصحاً:
شكرت يديك يد المقل الأرمل ... لنوالها الجم الغفير الأجزل
ولبست من تقوى الإله ملابساً ... والدين أفضل حلية المتجمل
منن رقيت بها إلى فلك العلى ... حتى قعدت على السماك الأعزل
وفتحت للدين الحنيفي أعيناً ... وكفت سحائبها بدمع مسبل
ضحكت نواجذه وأصبح وجهه ... بعد التعبس مشرقاً بتهلل
لما أقمت فروضه وحدوده ... بحدود مرهفة وسمر ذبل
حللت أخلاط الردى فسما الهدى ... وحللت عقدة كل خطب مشكل
ودعائماً أرسيتها بدعائم ... للملك بعد تحرك وتزلزل
ما راعك الخطب الذي قد شابهت ... أيامه ظلمات ليل أليل
لكن جليت ظلامه بلوامع ... وبسهم عزم كالشهاب المرسل
سيان حالك في المسرة والأسى ... جلداً وذا شأن اللبيب الأكمل
ما جاش جأشك في الحوادث إذ وهت ... في فتنة نغلي كغلي المرجل
أذكى الجهول ضرامها لسفاهة ... كي يستضيء بنورها فيها صلي
قطع الذي أمر الإله بوصله ... فلأجل ذا أسبابه لو توصل
وجنى على الإسلام شر جناية ... وأقر عين أخي النفاق المبطل
فأحل منتهكاً لحرمة مسلم ... ملك فعوقب بالعقاب الأعجل
طلب العلو ببغيه وبظلمه ... جهلاً فرد إلى الحضيض الأسفل
ولأجل نصرة نفسه بذل القوى ... لكن من خذل المهيمن يخذل
حتى إذا ملك الخزائن واستوى ... جهراً على القصر المشيد الأطول
ملأ الإله فؤاده وصحابه=رعباً وصاح به القضاء ألا انزل
لا تحسب الملك القصور وما حوت ... من آلة للحرب أو لتمول
بل مالك الملك الإله وإنه ... جعل الخلافة في الإمام الأعدل
جمع الإله له القلوب فأجمعت ... كل النفوس على إمامة فيصل
وانقاد كل المسلمين لأمره ... طوعاً وتلك مواهب المتفضل
حتى إذا حدق الخميس بمن بغى ... حنقاً وجدّ به الذي لم يهزل
عضّ على طرف البنان وقال من ... فرط الأسى يا ليتني لم أفعل
فهناك أيقن أن أنجم سعده ... أفلت وطالع نحسه لم يأفل
وهناك أسلمه الرجيم إلى البلى ... لما طغى وأطاع كل مضلل
في الظلم والعدوان والفعل الذي ... أضحى عن الشرع الشريف بمعزل
ودهاه ما صنع الإله لعبده ... من ذلك الفتح المبين الأعجل
ورأى التحصن مانعاً هيهات أن ... تغني الحصون عن القضاء المنزل
فأتاه بأس الله داخل حصنه ... مع ناصريه فم يروا من موئل
فغدوا حصيداً للسيوف وللقنا ... صرعاء بين مجرح ومجندل
وسقي بما أسٍقت يداه حميمه ... كأساً أمر مذاقه من حنظل
واهاً لها من وقعة أبقت لنا ... عبراً لكل مفكر متأمل
تنبيك أن الظلم أشأم طائر ... والبغي أسرع صارع ومخذل
وتريك شؤم قطيعة القربى فمن ... يقطع حبال قريبه لم يمهل
فلقد بلغت من العدا يا فيصل ... أقصى مناك ونلت كل مؤمل
فاحمد إلهك إذ أنالك ملكه ... وحباك بالنصر العزيز الأجزل
وسقاك صفو الملك بعد كدوره ... فنهلتنا من عذب ذاك المنهل
فاحفظ فواضله بواجب شكره ... إن الشكور لفي مزيد تفضل
وارع الرعية ما وليت أمورها ... بإقامة العدل السوي الأمثل
فالعدل تحكيم الشريعة في الورى ... حقاً فما عن عدلها من معدل
وسياسة الشرع الشريف هي التي ... جمعت لكل طريق عدل أسهل
فأقم بها عوج الأمور معالجاً ... فهي الدواء لكل داء معضل
واجعل بطانتك الخيار ذوي النهى ... واحذر مخالطة السفيه الأرذل