دعا لغروب الدمع والدار غربة ... فلم أر ألا داعياً ومجيبا
وله أيضاً:
سقياً ليوم قد أنخت بسرحة ... ريا تلاعبها الشمال فتلعب
سكرى يغنيها الحمام فتنثني ... طربا ويسقيها الغمام فتشرب
يلهو فترفع الشبيبة راية ... فيه ويطلع للبهارة كوكب
والروض وجه ازهر والظل فر ... ع أسود والماء ثغر أشنب
في حيث أطربنا الحمام عشية ... فشدا يغنينا الحمام المطرب
واهتز عطف الغصن من طرب بنا ... وافتر عن ثغر الهلال المغرب
فكأنه والحسن مقترن به ... طوق على برد الغمامة مذهب
في فتية تسري فينصدع الدجى ... عنها وتنزل بالجديب فيخضب
كرموا فلا غيث السماحة مخلف ... يوماً ولا برق اللطافة خلب
من كل ازهر للنعيم بوجهه ... ماء يرقرقه الشباب فيسكب
وقال مجيباً عن شعور ورد عليه من بعض أصحابه:
أطرسك أم ثغر تبسم واضح ... ولفظك أم روض تنفس نافح؟
لواني لي الخيزرانة هزة ... وتهفو باعطاف الكرام المدائح
كلام يرف النور من جنباته ... وتندى به تحت الهجير الجوانح
تنل يوم الروع سمر القنا به ... وتطبع منه للجلاد الصفائح
يشف سواد النفس عنه كما سرى ... وراء الدجى برق تطلع لامح
واني لظمآن إليه علاقة ... وها أنا في بحر البلاغة سابح
بعثت به يندى كما جاد عارض ... ويطريني طوراً كما حن صادح
تلوح به في دهمة الحبر غرة ... ويركض في شوط الفصاحة سائح
فان أنا لم أشكرك والدار غربة ... فلا جادني غاد من المزن رائح
ولا استشرقت يوماً الي به الربى ... جلالاً ولا هشت الي الأباطح
ومن قوله:
ابى البرق إلا أن يحن فؤاد ... ويكحل اجفان المحب سهاد
فبت ولي من قانئ الدمع قهوة ... تدار ومن إحدى يدي وساد
تنوح لي الورقاء وهي خلية ... وينهل دمع المزن وهو جماد
وقد كان في خدي للدهم ملعب ... فقد صار فيه للوراد طراد
وليل كما مد الغراب جناحه ... وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق والليل فحمة ... شرار ترامى والغمام زناد
سريت به أحييه لاحية السرى ... تموت ولا مت الصباح يعاد
يقلب مني العزم انسان مقلة ... لها الافق جفن النجم فيه سهاد
سحيق ولا غير الرياح ركائب ... هناك ولا غير الغمام مزاد
كأني وأحشاء البلاد تجنني ... سريرة حب والظلام فؤاد
أجوب جيوب البيد والصبح صارم ... له الليل غمد والمجر نجاد
وفي مصطلى اآفاق جمر كواكب ... علاها من الفجر المطل رماد
ولما تفرى من دجى الليل طلحب ... وأعرض من ماء الصباح ثماد
حننت وقد ناح الحمام صبابة ... وشق من الليل البهيم حداد
على حين شطت بالأحبة نية ... وحالت فياف بيننا وبلاد
عشية لا مثل الجواد ذخيرة ... ولا مثل رقراق الحديد عتاد
إذا زار خطب خفرتني ثلاثة ... سنان وعضب صارم وجواد
فبت ولا غير الحسام مضاجع ... ولا غير ظهر الاعوجي مهاد
معانق خل لا يخل وإنما ... مكان ذراعيه علي نجاد
وله يمدح ابا إسحاق ابراهيم من ملوك الأندلس وينهئه بالعيد:
سجعت وقد غنى الحمام فرجعا ... وما كنت لولا أن يغني لأسجعا
وأندب عهداً بالمشقر سالفاً ... وظل غمام للصبا قد تقشعا
ولم ادر ما ابكي أرسم شبيبة ... عفا أم مصيفاً من سليمى ومربعا
وأوجع توديع الاحبة فرقة ... شباب على رغم الاحبة ودعا
وما كان أشهى ذلك الليل مرقدا ... اندى محيا ذلك الصبح مطلعا
وأقصر ذاك العهد يوماً وليلة ... وأطيب ذاك العيش ظلاً ومكرعا
زمان تقضى غير عهد محاسن ... تسوم صفات القلب أن تتصدعا
ومن لي برد الريح من أبرق الحمى ... وريا الخزامى من اجارع لعلعا
وقد فات ذاك اعهد إلا تذكراً ... لواني على ظهر المطي توجعا
وكنت جليد القلب والشمل جامع ... فما انفض حتى فاض فارفض أدمعا
وبلت نجادي عبرة مستهلة ... اكفكفمنها بالبيان تصنعا