كأن صعاب البخت إذا ذللت له ... أسارى ملوك عضها القيد ضرع
كأن خلاخيل المطايا إذا غدت ... تجاوب أصداء الفلا تترجع
تهيج وسواس البرين صبابة ... عليها فتعزى بالحنين وترلع
لقد جل من يقتاد ذا الخلق كله ... وكل له من قائم السيف أطوع
تحف به القواد والأمر أمره ... ويقدمه رأي الخلافة أجمع
ويسحب اذيال الخلافة رادعاً ... به المسلك من نشر الهدى يتضوع
له حلل الإكرام خص بفضلها ... نسائج بالبتبر المشهر تلمع
برود أمير المؤمنين بروده ... كساه الرضى منهن ما ليس يخلع
وبين يديه خيله وسروجه ... تقاد عليهن النضار المرصع
وأعلامه منشورة وقبابه ... وحجابه تدعى لأمر فتسرع
مليك ترى الأملاك دون بساطه ... وأعناقهم ميل إلى الأرض خضع
قياماً على أقدامهم قد تنكبت ... صوارمها كل يطيع ويخضع
تحل بيوت المال حيث محله ... وجم العطايا والرواق المرفع
إذا ماج أطناب السرادق بالضحى ... وقامت حواليه القنا تتزعزع
وسل سيوف الهند حول سريره ... ثمانون الفاً دارع ومقنع
رأيت من الدنيا إليه منوطة ... فيمضي بامر الله فيها ويصدع
وتصحبه دار المقامة حيثما ... أناخ وشمل المسلمين المجمع
وتعنو له السادات من كل معشر ... فلا سيد منه أعز وأمنع
فلله عينا من رآه مخيما ... إذا جمع الأنصار للأذن مجمع
وأقبل فوج بعد فوج فشاكر ... له أو سؤول أو شفيع مشفع
فا يفتأوا من حكم عدل يعمهم ... وعارفه تسدى اليهم وتصنع
يسوسهم منه أب متكفل ... برعي نبيه حافظ لا يضيع
فستر عليهم في الملمات مسبل ... وكنز لهم عند الأئمة مودع
بطيء عن الأمر الذي يكرهونه ... عجول اليهم بالندى متسرع
ولله عينا من رآه مقوضاً ... إذا جعلت أولى الكتائب تسرع
ونودي بالترحال في فحمه الدجى ... فجاءته خيل النصر تردي وتمزع
فلاح لها من وجهة البدر طالعاً ... وفي يده الشعرى العبور تطلع
أضحى مردى بالنجاد كأنه ... هزير عرين ضم جبينه أشجع
فكبرت الفرسان لله إذا بدا ... وظل السلاح المنتضى يتقعقع
وحف به أهل الاجهاد فمقدم ... وماض وإصليت وأطلق أروع
وعب عباب الموكب الفخم حوله ... وزف كما زف الصباح الملمع
وثار بريا المندلي غباره ... ونشر فيه الروض والروض موقع
وقد رتبت فيه الملوك مراتباً ... فمن بين متبوع وآخر يتبع
تسير على أقدارها في عجامة ... ويقدمها منه العزيز الممنع
وما لؤمت نفس تقر بفضله ... وما للؤوم إلا دفع ما ليس يدفع نقد
فاز منه مشرق الأرض بالتي ... تفيض لها من مضرب الأرض ادمع
ألا كل عيش دونه فمحرم ... وكل حريم بعده فمضيع
وإن بنا شوقاً إليه ولوعة ... تكاد لها اكبادنا تتصدع
ولكنما يسلي من الشوق ِأنه ... لنا في ثغور المجد والدين أنفع
وإن المى منه قريب وإننا ... إليه من الإيماء باللحظ أسرع
فسر أيها الملك المطاع مؤيداً ... فللدين والدنيا إليك تطلع
وقد أشعرت أرض العراقين خفية ... تكاد لها دار السلام تضعضع
وأعطت فلسطين القياد وأهلها ... فلم يبق منها جانب يتمتع
وما لرملة المقصورة الخطو وحدها ... بأول أرض ما لها عنك مفزع
وما ابن عبيد الله يدعوك وحده ... غداة رأى أن ليس في النفوس منزع
بل الناس كل الناس يدعوك غيره ... فلا أحد إلا يذل ويخضع
وأن باهل الأرض فقراً وفاقه ... إليك وكل الناس آتيك مهطع
إلا إنما البرهان ما أنت موضح ... وما الرأي إلا وفق ما أنت مزمع
رحلت إلى الفسطاط أيمن رحلة ... بايمن قال في الذي أنت مجمع
ولما حثثت الجيش لاح لأهله ... طريق إلى أقصى خراسان مهيع
قد استقبل الناس الربيع وقد غدت ... متون الربى من سدس تتلفع
وقد أخضل المزن البلاد ففجرت ... ينابيع حتى الصخر أخضل ممرع
وأصبقحت الطرق التي أنت سالك ... مقدسة الظهران تسقى وتربع