فَانْصَرَفَ ابن عبَّاسٍ، ثمَّ دعاه بعد، فَعَرَفَ الَّذي قال، ثم قال: إيه أَعِدْ" (١).
واعلم مَنْ قدَّم رأيه على ما جاءه مِن الهدى، فإنّما يتَّبع الهوى، ولا يتَّبع الوحي، قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)} [النّجم].
واتّباع الهوى ضلال، فقد شَهِدَ الله تعالى لِمَنْ طلب الهداية بغير الكتاب والسُّنَّة واتَّبع هواه بالضَّلال، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٣)} [الجاثية].
وأنَّ مَنْ لا يجيب الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - فإنّما يجيب هواه، وأنَّ ذلك غاية الضَّلال والظُّلم والخسران: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (٥٠)} [القصص].
ومن الأسباب: رفع العلم وانتشار الجهل. فلا شكَّ أنَّ مَنْ قلَّ علمه قلَّ إِعذاره للنَّاس، ومَنْ كَثُرَ جَهْلُه كَثُر لغَطُه، ومَنْ كَثُرَ لغَطُه كثُر غَلَطُه، ولذلك ذمَّ الله تعالى الجهل وأهله في غير موضع من كتابه، فقال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)} [الأنعام]، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥)} [لقمان]، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الرّوم].
وشبَّه الله تعالى الجهَّال بالأنعام (الإِبل والبقر والغنم) ولم يقتصر، بَل
(١) البيهقي "الجامع لشعب الإيمان" (ج ٤/ص ٣٨٠/رقم ٢٠٨٦) وقال المحقّق: رجاله ثقات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute