فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنَّهُ حِينَ افْتَتَحَ الْعِرَاقَ بَاعَ مِنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ طَسْتًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهَا الْمِسْوَرُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: لَا تَتَّهِمْنِي، وَرَدَّ الطَّسْتَ. فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَرَى أَنِّي قَدْ حَابَيْتُك؛ فَرَدَّهُ. ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ رَعِيَّتِي. تَخَافُنِي فِي آفَاقِ الْأَرْضِ. وَمَا زَادَنِي عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ هَذَا الْبَيْعُ. جَائِزًا لَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَدِّ الطَّسْتِ عَلَيْهِ.
٢٠١٥ - فَإِنْ اشْتَرَى الْمُوَلَّى شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لِنَفْسِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا بَائِعًا مِنْهَا. فَإِنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَادِّ الْأَحْكَامِ.
مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْغَانِمِينَ، بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، لِأَنَّ بَيْعَهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ هَذَا قَضَاءً مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَلَوْلَا هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute