للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَوْ أَنَّ الْمُشْرِكَ نَادَى مِنْ الْحِصْنِ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ: الْأَمَانَ الْأَمَانَ. فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: الْأَمَانَ الْأَمَانَ. فَرَمَى بِنَفْسِهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ.

فَقَالَ الَّذِي آمَنَهُ: إنَّمَا أَرَدْت التَّهْدِيدَ، لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَمِيرُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ.

لِأَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يَعْرِفُهُ الْمُشْرِكُ. فَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْغُرُورِ وَهَذَا حَرَامٌ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْأَسِيرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْهُورًا مَأْخُوذًا. فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْغُرُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فَيُعْتَبَرُ مَا فِي ضَمِيرِهِ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً.

٧٧٤ - وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَالَ لِلْمَحْصُورِ: الْأَمَانَ الْأَمَانَ، مَا أَبْعَدَك عَنْ ذَلِكَ أَوْ انْزِلْ إنْ كُنْت رَجُلًا. فَأَسْمَعَهُ الْكَلَامَ كُلَّهُ بِلِسَانِهِ، فَرَمَى الْمُشْرِكُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ فَيْءٌ يَجُوزُ قَتْلُهُ.

لِأَنَّهُ لَمْ يُغْرِهِ فِي شَيْءٍ، فَقَدْ أَسْمَعَهُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ كَلَامَهُ تَهْدِيدٌ وَلَيْسَ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ لِآخَرَ: لِي عَلَيْكُمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ.

فَيَقُولُ الْآخَرُ: لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ؟ مَا أَبْعَدَك مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ إقْرَارًا لِهَذَا الْمَعْنَى. فَأَمَّا إذَا أَسْمَعَهُ ذِكْرَ الْأَمَانِ وَلَمْ يُسْمِعْهُ مَا وَصَلَ بِهِ فَهُوَ آمِنٌ، لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مَا أَسْمَعَهُ دُونَ مَا لَمْ يُسْمِعْهُ. وَمَا لَمْ يُسْمِعْهُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا فِي ضَمِيرِهِ لَوْ اُعْتُبِرَ أَدَّى إلَى الْغُرُورِ، وَالْغُرُورُ حَرَامٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص ١٧٠)

[بَابُ مَا يَكُونُ أَمَانًا مِمَّنْ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ وَالْأَسْرَى وَمَا لَا يَكُونُ أَمَانًا]

٧٧٥ -

<<  <   >  >>