للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لَهُ، فَإِنَّ عِزَّتَهُ وَمَنَعَتَهُ لَمْ تَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] . وَمَا كَانَ فِي حَقِّهِ تَوَهُّمُ الرُّكُونِ بِقَلْبِهِ إذَا قَبِلَ هَدَايَاهُمْ، فَلِهَذَا قَبِلَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.

وَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَقْبَلَانِ هَدِيَّةَ الْمُخْتَارِ، وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُجَوِّزَانِ ذَلِكَ. حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَمِيرًا أَهْدَى إلَى أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِائَةَ دِينَارٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: هَلْ أَهْدَى إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مِثْلَ هَذَا؟ فَقِيلَ: لَا، فَرَدَّهَا وَقَالَ: {كَلا إِنَّهَا لَظَى} [المعارج: ١٥] {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج: ١٦] .

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لِلسُّلْطَانِ نَصِيبٌ مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِذَا أَعْطَاك شَيْئًا فَخُذْهُ، فَإِنَّ مَا يُعْطِيهِ حَلَالٌ لَك.

وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْثَرُ مَالِهِ مِنْ الرِّشْوَةِ وَالْحَرَامِ لَمْ يَحِلَّ قَبُولُ الْجَائِزَةِ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَكْثَرُ مَالِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ الْجَائِزَةِ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٍ، وَفِي قَبُولِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةَ مِنْ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. .

[بَابُ الْمُبَارَزَةِ]

١٤ -

<<  <   >  >>