لِأَنَّ هَذَا التَّنْفِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ، فَكُلُّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ هَذَا فَقَدْ اخْتَصَّ بِمِلْكِهِ، وَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ تَنَاوَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِغَيْرِ رِضَاءِ مَنْ أَصَابَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْغَنَائِمِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ أَصَابَ جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا بِحِصَّتِهِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ.
- وَلَوْ لَمْ يَنْفُلْ الْأَمِيرُ لِلسَّرِيَّةِ شَيْئًا فَاسْتَأْجَرَ أَمِيرَهُمْ قَوْمًا يَسُوقُونَ الْغَنَائِمَ إلَى الْعَسْكَرِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَصَابُوا. لِأَنَّ الْأَمِيرَ إنَّمَا أَرْسَلَهُ لِلْقِتَالِ وَإِحْرَازِ الْغَنَائِمِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ [إذْنًا لَهُ] فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ وَهُوَ السَّوْقُ دَلَالَةً، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ.
٢٢٥٨ - ثُمَّ يَنْبَغِي لِأَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَنْ يَبِيعَ مِمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ الطَّعَامِ مَا يُؤَدِّي أَجْرَ الْأُجَرَاءِ وَيُخَلِّي مَا بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ مَا يَبْقَى حَتَّى يَأْكُلُوا، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصِبْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ غَنِيمَةً أُخْرَى، فَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا أَعْطَى [أَجْرَ] الْأُجَرَاءِ مِنْ ذَلِكَ، وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ أَهْلُ السَّرِيَّةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِيَأْكُلُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ.
فَإِنْ أَكَلُوا ذَلِكَ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ فَلِلْأُجَرَاءِ مِقْدَارُ أَجْرِهِمْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَكِنْ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute