لِأَنَّهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِذَلِكَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ اكْتِسَابُ سَبَبِ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْأَمْتِعَةِ.
٢٣٣٤ - ثُمَّ هَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يُحَاصِرُوا مِنْ حُصُونِهِمْ، فَأَمَّا إذَا حَاصَرُوا حِصْنًا مِنْ حُصُونِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَلَا شَيْئًا يُقَوِّيهِمْ عَلَى الْمُقَامِ. لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَاصَرُوهُمْ لِيَنْفُذَ طَعَامُهُمْ وَشَرَابُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ وَيَخْرُجُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنْهُمْ اكْتِسَابُ سَبَبِ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْمُقَامِ فِي حِصْنِهِمْ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ فِي دَارِهِمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اكْتِسَابِ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُقَامِ، لَا بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا أَهْلُ الْحِصْنِ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَحَاطَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
٢٣٣٥ - وَمَنْ فَعَلَهُ فَعَلِمَ بِهِ الْإِمَامُ أَدَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ بَعَثَ رَسُولًا إلَى مَلِكِهِمْ فِي حَاجَةٍ فَأَجَازَهُ الْمَلِكُ بِجَائِزَةٍ، وَأَخْرَجَهَا الرَّسُولُ إلَى الْعَسْكَرِ، أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَذَلِكَ سَالِمٌ لَهُ خَاصَّةً. لِأَنَّ هَذِهِ الْجَائِزَةَ لِلرَّسُولِ مَا كَانَتْ لِرَغْبَةٍ أَوْ لِرَهْبَةٍ، بَلْ لِلْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمُرُوَّةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيزُ الْوُفُودَ وَالرُّسُلَ الَّذِينَ يَأْتُونَهُ، وَأَوْصَى أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهُ، وَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ مِنْهُ لِرَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute