للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ، وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّيَ يَوْمَ الْقِتَالِ، وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ» .

ثُمَّ إنْ كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ نِصْفِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِرَارُ مِنْهُمْ. وَكَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مِثْلَ عُشْرِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] وَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ غَالِبٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفِرَّ. ثُمَّ خَفَّفَ الْأَمْرَ فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: ٦٦] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] . وَهَذَا إذَا كَانَ بِهِمْ قُوَّةُ الْقِتَالِ بِأَنْ كَانَتْ مَعَهُمْ الْأَسْلِحَةُ. فَأَمَّا مَنْ لَا سِلَاحَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ مِمَّنْ مَعَهُ السِّلَاحُ. وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ مِمَّنْ يَرْمِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آلَةُ الرَّمْيِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ، وَمِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُرْمَى فِيهِ بِالْمَنْجَنِيقِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمُقَامِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ الْعَدُوِّ وَإِنْ كَثُرُوا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَنْ قِلَّةٍ» وَمَنْ كَانَ غَالِبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفِرَّ.

١١٥ - وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ وَأَنَا فِيهِمْ. فَحَاصَ الْمُسْلِمُونَ حَيْصَةً. يَعْنِي انْهَزَمُوا مِنْ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ. فَقَالَ

<<  <   >  >>