للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَحْكِيمُهُ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتُلُوهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ تَمَّتْ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاعْتُبِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ دُونَ غَالِبِ الرَّأْيِ.

لِأَنَّ صِغَرَهُ مَعْلُومٌ بِيَقِينٍ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ، فَأَمَّا جُنُونُ الَّذِي تَجَانَنَ قَبْلَ أَخْذِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِيَقِينٍ، فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ.

- وَإِنْ أَخَذُوهُ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ، ثُمَّ طَالَ مُكْثُهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى بَلَغَ فَصَارَ رَجُلًا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ. لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلَةِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ.

وَبَعْدَ مَا بَلَغَ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ عَبِيدِهِمْ، فَلَا يَكُونُ مُقَاتِلًا مَعَهُمْ، بِخِلَافِ الَّذِي تَجَانَنَ إذَا أُخِذَ فَاسْتَبَانَ أَنَّهُ صَحِيحٌ.

لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُقَاتِلًا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ، احْتَالَ بِتِلْكَ الْحِيلَةِ لِيَنْجُوَ مِنْ الْقَتْلِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْتُوهًا وَبَرَأَ فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الصَّبِيِّ، وَإِنْ قَتَلَ هَذَا الصَّبِيُّ الَّذِي بَلَغَ أَوْ بَرِئَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ بِهِ قِصَاصًا.

لِأَنَّهُ صَارَ مُخَاطَبًا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ

<<  <   >  >>