للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: فَقُلْت: وَإِنَّهُ جَعَلَ لِلْقَوْمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَقَدْ أَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، أَفَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ، فَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى إسْلَامِهِمْ فَذَلِكَ وَإِلَّا بَعَثْنَا إلَيْهِمْ الْخَيْلَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُمْ صِلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَأَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ مَا لَمْ يُعَوَّضْ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُرَغِّبَ غَيْرَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. أَلَا تَرَى أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ كَانُوا يُعْطُونَ ذَلِكَ لِلتَّأْلِيفِ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا وَعَدُوا أَنْ يُؤْمِنُوا عِنْدَ بَعْضِهِمْ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا ارْتَدُّوا بَعْدَ مَا أَسْلَمُوا عَلَى شَرْطِ الْجُعْلِ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَعَثْنَا إلَيْهِمْ الْخَيْلَ» أَيْ لِلْقِتَالِ. «قَالَ: وَأَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَك لَهُ الْعِرَافَةَ. قَالَ: إنْ شَاءَ، وَلَكِنَّ الْعَرْفَاءَ فِي النَّارِ» (٤٣ ب) ، أَيْ لَا أَمْنَعُهُ مَا سَأَلَ، وَلَكِنْ أَخْبِرْهُ أَنَّهُ لَا خَيْرَ لَهُ فِيمَا سَأَلَ. وَالْعِرَافَةُ: هِيَ الرِّئَاسَةُ، وَالْعَرِيفُ: هُوَ الْوَازِعُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ وَازِعٍ، وَالْوَازِعُ فِي النَّارِ» يَعْنِي أَنَّهُ يَظْلِمُهُمْ وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِمْ إذَا تَرَأَّسَ غَالِبًا، وَمَأْوَى الظَّالِمِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ النَّارُ. فَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ.

- قَالَ: وَإِنْ أَعْطَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا مَالًا عَلَى قَتْلِ حَرْبِيٍّ

<<  <   >  >>