للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَالِهِمْ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ غَدْرِ الْمُوَادَعَةِ، فَإِذَا اسْتَرْضَاهُمْ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ فَقَدْ انْعَدَمَ مَعْنَى الْغَدْرِ وَلِهَذَا طَابَ لَهُ مَا أَخَذَ.

٢٩٢٠ - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُوَادِعِينَ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِتِلْكَ الْمُوَادَعَةِ كَانَ آمِنًا بِهَا، ثُمَّ إنْ عَامَلَ مُسْلِمًا بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُهَا.

لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِنَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا.

٢٩٢١ - وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ إلَى هَؤُلَاءِ الْمُوَادِعِينَ، أَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَبَايَعَهُمْ مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُعَجِّلُوا لَهُ وَيَضَعَ عَنْهُمْ الْبَعْضَ. فَذَلِكَ جَائِزٌ.

لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذَا التَّصَرُّفِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِمَعْنَى الرِّبَا، مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ مُبَادَلَةً لِأَصْلِ الدَّرَاهِمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرِّبَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَتَجُوزُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «بَنِي النَّضِيرِ حِينَ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالُوا: إنَّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النَّاسِ لَمْ تَحِلَّ بَعْدُ، فَقَالَ: ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا» . وَإِنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ، فَعَرَفْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ تَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِنَا.

٢٩٢٢ - فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُمْ مَا عَجَّلُوا لَهُ حَتَّى أَسْلَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ، فَقَدْ بَطَلَ هَذَا التَّصَرُّفُ، وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ لِمَا بَيَّنَّا.

<<  <   >  >>