للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَكَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِتَخْصِيصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَإِنَّهُ بَنَى هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ. وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. .

١٥٢ - ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَجُوسِيَّةَ بِالنِّكَاحِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءَ يُبْتَنَى عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ. وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ.

فَأَمَّا الصَّابِئُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَةِ نِسَائِهِمْ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ.

وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي أَنْ الصَّابِئِينَ مِنْهُمْ. فَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَهُ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ. وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيَعْتَقِدُونَ فِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ آلِهَةٌ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُضْمِرُونَهُ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيزُونَ إظْهَارَ مَا يَعْتَقِدُونَ قَطُّ، بِمَنْزِلَةِ الْبَاطِنِيَّةِ. فَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْجَوَابَ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ، وَهُمَا بَنَيَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ. وَعَلَى ذَلِكَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ أَوْ شَرٌّ مِنْهُمْ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

<<  <   >  >>