وَذَلِكَ عَبِيدُهُمْ دُونَ أَحْرَارِهِمْ، يُقَرِّرُ هَذَا أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَوْ أَخَذْنَا مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ أَحْرَارِهِمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ نَقْتُلَهُمْ. لِأَنَّ الْأَمَانَ قَدْ تَنَاوَلَهُمْ، وَبَعْدَ الْأَمَانِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُمْنَعُ قَتْلُهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ، فَلِهَذَا نَأْخُذُ الْمِائَةَ الرَّأْسِ مِنْ أَحْرَارِهِمْ ثُمَّ نَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا نَقْتُلُهُمْ.
٣٤٠٧ - وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُوَادَعَةِ خَرَاجٌ.
لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ طَلَبُوا أَنْ يَكُونُوا ذِمَّةً لَنَا جَازَ إجَابَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ، وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . «وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ، وَهُمْ نَصَارَى مِنْ الْعَرَبِ، عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ.» وَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ وَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ صَالَحَهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ فَقَالَ: هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ. فَإِذَا تَبَيَّنَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ جَوَازُ أَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْهُمْ جَوَّزْنَا أَخْذَ الْمَالِ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَادَعَةِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَرَاجِ. وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُقَاتِلَ الْعَرَبَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا نَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْا فَالْجِزْيَةُ.»
٣٤٠٨ - فَإِنْ وَادَعَ هَؤُلَاءِ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute