مَا سَبَقَ، إنَّمَا يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْوَثِيقَةِ إلَى كِتَابَةِ هَذَا الشَّرْطِ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ وَثِيقَةٍ فِيهَا مَقْصُودٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ قَالَ: وَيَنْبَغِي لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ ابْتِدَاءً عَلَى أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْأَشْيَاءِ، يَعْنِي عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ، فَإِنْ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَلْقَوْهُ مِنْ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ مَا يُرِيدُونَ إلْقَاءَهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ زِيَادَةِ مَا يُرِيدُونَ زِيَادَتَهُ، وَلَعَلَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَقْبَلُونَ إلَّا الْأَشَدَّ، فَلِهَذَا يَكْتُبُ فِي الِابْتِدَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ قَبِلُوا الْيَسِيرَ مِنْهُ أَلْقَى الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ مَا أَحَبُّوا.
قَالَ: وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوا الْمُشْرِكِينَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «فَإِنْ أَرَادُوكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعْطَوْهُمْ ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ، فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِمَّةَ رَسُولِهِ» ، إلَّا أَنَّ بِآخِرِ الْحَدِيثِ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِحُرْمَةِ هَذَا الشَّرْطِ شَرْعًا، بَلْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ الْوَفَاءُ بِهِ، فَكَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، بَلْ النَّهْيُ لِتَوَهُّمِ الْخُلْفِ.
٣٥٨٩ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute