للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّهُ نَاظِرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَكَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ إطَالَةِ الْمُقَامِ بِغَيْرِ خَرَاجٍ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُرْهِقْهُ فِي التَّوْقِيتِ نَظَرًا مِنْهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ

٣٧٤٩ - فَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَزَرْعهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا خَرَاجٌ أَوْ عُشْرٌ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ - وَأَخَذَ مِنْهُ خَرَاجَ رَأْسِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا تُبْنَى هَذِهِ الْفُصُولُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ أَرْضًا عُشْرِيَّةً بَقِيَتْ عُشْرِيَّةً عَلَى حَالِهَا، ثُمَّ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِاعْتِبَارِ مَا بَاشَرَ مِنْ الصُّنْعِ، وَهُوَ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، فَإِنَّهُ دَلَالَةُ الرِّضَاءِ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْإِرْثِ وَالشِّرَاءِ سَوَاءٌ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى، وَلَكِنْ إنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَرْضِهِ بِأَنْ زَرَعَهَا أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ شِرَاءِ الْأَرْضِ، قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ خَرَاجَ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ التَّبَعِ لِخَرَاجِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ وِلَايَةَ الْمَنِّ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَلْدَةِ عَنْوَةً بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ، لَا بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ خَرَاجِ الرَّأْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَدَامٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الذِّمِّيِّ بِمَوْتِهِ وَإِسْلَامِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَصْلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ، وَثُبُوتُ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ، فَإِذَا لَزِمَهُ خَرَاجُ الْأَرْضِ لَزِمَهُ خَرَاجُ الرَّأْسِ تَبَعًا، فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَأَقَامَ حَتَّى زَرَعَهَا فَأَخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ كَانَ ذِمِّيًّا أَيْضًا، وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْآجِرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، وَذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ الْخَرَاجِ، بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْعُشْرِ، فَأَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَدَرَاهِمُ فِي ذِمَّةِ الْآجِرِ، تَجِبُ بِاعْتِبَارِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ.

<<  <   >  >>