لِأَنَّهُ هَا هُنَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَيَأْخُذَ مَالَهُ فَلَا يَسَعُهُ إخْفَارُ كَفِيلِهِ أَيْضًا.
وَإِنْ سَاعَدَهُ الْكَفِيلُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّهُ لَا حَقُّ أَهْلِ الْحَرْبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْطِهِ كَفِيلًا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ.
فَإِنْ خَرَجَ الْكَفِيلُ مَعَهُ بِأَمَانٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ مَعِي إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَلَيْسَ عَلَى الْأَسِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْأَمَانِ قَدْ انْتَهَى بِخُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْكَفَالَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ هَذَا الْحَرْبِيَّ لَوْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ كَانَ خَارِجًا مِنْ أَمَانِ الْأَسِيرِ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْشُوَ الْأَسِيرُ الْمُسْلِمُ بَعْضَ أَهْلِ الْحَرْبِ لِيَتْرُكَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَالَهُ وِقَايَةً لِنَفْسِهِ، وَبِهِ أَمَرَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: " اجْعَلْ مَالَك دُونَ نَفْسِك، وَنَفْسَك دُونَ دِينِك ". وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنَّهُ حُبِسَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَاهُمْ دِينَارَيْنِ حَتَّى خَلَّوْا سَبِيلَهُ. فَعَرْفنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ السُّحْتِ فِي حَقِّ الْمُعْطِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ السُّحْتِ فِي حَقِّ الْآكِلِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي النَّارِ» . إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُعْطِي إذَا قَصَدَ بِهِ الظُّلْمَ، أَوْ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِ. فَأَمَّا إذَا قَصَدَ دَفْعَ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute