للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَقَدَ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ لِذَلِكَ، وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوَاظِبٌ عَلَى الدَّرْسِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى الْفُقَهَاءَ يَمُرُّونَ بِهِ بُكْرَةً فَقَالَ: إلَى أَيْنَ؟ فَقَالُوا: إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: اذْهَبُوا فَإِنَّ الْفَتَى مَحْسُودٌ.

وَسَبَبُهَا الْخَاصُّ مَا حُكِيَ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ. فَخَافَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُقَرِّبَهُ، فَخَلَا بِهِ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ فِي قَضَاءِ مِصْرَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا غَرَضُك فِي هَذَا؟ فَقَالَ: قَدْ ظَهَرَ عِلْمُنَا بِالْعِرَاقِ فَأُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ بِمِصْرَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَتَّى أَنْظُرَ. وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: لَيْسَ غَرَضُهُ قَضَاءَكَ وَلَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُنَحِّيَك عَنْ بَابِ الْخَلِيفَةِ. ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ بِهِ دَاءً لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِمَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَةُ الْجُلُوسِ. قَالَ الْخَلِيفَةُ: نَأْذَنُ لَهُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ خَلَا بِمُحَمَّدٍ وَقَالَ: إنَّ أَمِيرَ الْمُومِنِينَ يَدْعُوك. وَهُوَ رَجُلٌ مَلُولٌ فَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ. فَإِذَا أَشَرْت إلَيْك فَقُمْ. ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَاسْتَحْسَنَ الْخَلِيفَةُ لِقَاءَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا جَمَالٍ وَكَلَامٍ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ. فَفِي خِلَالِ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنْ قُمْ. فَقَطَعَ الْكَلَامَ وَخَرَجَ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الدَّاءُ لَكُنَّا نَتَجَمَّلُ بِهِ فِي مَجْلِسِنَا. فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِمَ خَرَجْت

<<  <   >  >>