وَلَوْ أَعْطَى رَجُلًا فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْطَى الْآخَرَ فَرَسًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: أُعْطِيك فَرَسِي لِتَغْزُوَ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي فَرَسَك أَغْزُو عَلَيْهِ، فَأَخَذَاهُمَا فَغَزَوَا عَلَيْهِمَا، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا. وَإِنْ عَطِبَ الْفَرَسَانِ يَضْمَنَانِ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا.
فَوَجْهُ الْقِيَاسِ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا شَرَطَا ذَلِكَ الشَّرْطَ فِيمَا بَيْنَهُمَا صَارَتْ مُبَادَلَةَ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ فَتَصِيرُ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُحْبِسُ رَجُلَيْنِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ حَالُ الَّذِي حَبَسَ فَلَا يَكُونُ إجَارَةً؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَكَانَتْ الْأَفْرَاسُ كُلُّهَا مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ حَالُهُ لِزَوَالِ الْأَفْرَاسِ عَنْ مِلْكِهِ، وَاعْتُبِرَ حَالُ الْقَيِّمِ فِيهَا كَانَ هُوَ أَيْضًا وَاحِدًا، فَلَا يَقَعُ فِيهِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ إذْ الرَّجُلُ لَا يُؤَاجِرُ بَعْضَ أَفْرَاسِهِ بِبَعْضٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْفَرَسَانِ لِرَجُلَيْنِ فَقَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْفَرَسَيْنِ لِمَالِكَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ.
٤٢٠٩ - قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُمَا آجَرَا الْفَرَسَيْنِ بِدَرَاهِمَ، فَآجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَرَسَهُ بِدَرَاهِمَ يَغْزُو عَلَيْهِ، كَانَا ضَامِنَيْنِ (لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بِأَدَاءِ دَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِمَا وَلَيْسَتْ بِمَالِ صَاحِبِ الْفَرَسَيْنِ، فَقَدْ وَقَعَتْ إجَارَةُ مِلْكِ الْغَيْرِ (بِمِلْكِ الْغَيْرِ، فَوُجِدَ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فِيهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute