للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ. فَلِهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ الْبِنَاءُ عَلَى الْغَوْثِ. وَإِنَّمَا يَبْنُونَ ذَلِكَ عَلَى شَوْكَةِ أَنْفُسِهِمْ.

- وَذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا» . وَبِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: إذَا تَرَكَ الْغَازِي دَابَّتَهُ فِي هَزِيمَةِ فَأَخَذَهَا مُسْلِمٌ آخَرُ وَأَخْرَجَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَكَهَا مُعْرِضًا عَنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَالِكًا لَهَا لِكَوْنِهِ مُحْرِزًا لَهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْتَحَقَتْ بِالصَّيُودِ، فَهِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَأَحْيَاهَا. وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا تَسْيِيبُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ نَفَاهُ الشَّرْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ.} [المائدة: ١٠٣] الْآيَةَ) .

وَلَيْسَ التَّسْيِيبُ فِي الدَّوَابِّ نَظِيرَ الْإِعْتَاقِ فِي الْعَبِيدِ. فَبِالْإِعْتَاقِ تَحْدُثُ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ فَتَنْتَفِي الْمَمْلُوكِيَّةُ. وَبِالتَّسْيِيبِ لَا تُحْذَفُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الدَّوَابِّ. وَإِذَا بَقِيَتْ مَمْلُوكَةً كَانَتْ لِصَاحِبِهَا. وَحُرْمَةُ الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَالِكِ (٥٧ ب) فَلَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ بِالْأَخْذِ.

٢٥٩ - وَذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى الَّذِي أَحْيَاهَا إنْ كَانَ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَهَمٌّ. فَالشَّعْبِيُّ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ، وَمَا كَانَ يُفْتِي بِخِلَافِ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <   >  >>