للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ فَلَعَلَّهُ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ بِهَذَا، فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ الْيَهُودِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيَبْرَءُونَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ، وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: ١١٣] .

فَإِنْ قَالَ: مَعَ هَذَا: وَأَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَقَدْ انْقَطَعَ مِنْهُ الِاحْتِمَالُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلَ الْإِسْلَامِ.

وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بِهَذَا اللَّفْظِ.

لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَدَّعِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَالْمُسْلِمُ هُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ، وَكُلُّ ذِي دِينٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْحَقِّ، وَأَنَّ الْحَقَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَبْد الْعَزِيز الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إلَّا الْمَجُوسَ فِي دِيَارِنَا، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ: أَنَا مُسْلِمٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَسُبُّونَ أَوْلَادَهُمْ وَيَقُولُونَ: يَا مُسْلِمَانِ.

٤٥٢١ - قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا رَهِقَهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.

- لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ كَانَ دَلِيلَ إسْلَامِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ لَا يَدَّعُونَ هَذَا الْوَصْفَ لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ عَلَى قَصْدِ الْمُعَايَرَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فَلِهَذَا كَانَ دَلِيلُ الْإِسْلَامِ مِنْهُ.

<<  <   >  >>