للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣٨ - بَابُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ

- وَإِذَا أَتَى الْأَمِيرَ أَمْرٌ يَسُرُّهُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَبِّرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَخِرَّ سَاجِدًا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْكُرُهُ، وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ. وَهَذِهِ سَجْدَةُ الشُّكْرِ

وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ لَا يَرَاهَا شَيْئًا، أَيْ شَيْئًا مَسْنُونًا، أَوْ لَا يَرَاهَا شُكْرًا تَامًّا، فَإِنَّ تَمَامَ الشُّكْرِ فِي أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا «فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا. وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مَنْ يَكُونُ مَنْظُورًا إلَيْهِ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ عِنْدَ حُدُوثِ النِّعَمِ، فَيَكُونُ مُدْخِلًا فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» . وَمَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَفِيهَا نِعْمَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَلَوْ اشْتَغَلَ بِالسُّجُودِ عِنْدَ كُلِّ نِعْمَةٍ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِشُغْلٍ آخَرَ. وَلَمَّا وُفِّقَ حَتَّى سَجَدَ كَانَ ذَلِكَ نِعْمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ لَهَا ثَانِيًا. وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي الْبَابِ.

<<  <   >  >>