مِنْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: قَدْ ضَمَنَّا لَك ذَلِكَ.
قَالَ: اعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ قِتَالَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَقَدْ ظَهَرُوا عَلَيْهِ وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ وَأَسَرُوهُ.
وَقَدْ تَرَكْتُهُمْ عَلَى عَزْمِ أَنْ يَقْدَمُوا بِهِ عَلَيْكُمْ لِتَقْتُلُوهُ، فَأَعِينُونِي حَتَّى أَجْمَعَ مَالِي فَلَعَلِّي أَشْتَرِي بَعْضَ غَنَائِمِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ، فَأَرْبَحُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالُوا: نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَاشْتَغَلُوا بِهِ عَنْ آخِرِهِمْ، فَانْتَهَى الْخَبَرُ إلَى الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَبَعَثَ غُلَامَهُ إلَى الْحَجَّاجِ وَقَالَ: إنَّ الْعَبَّاسَ يُقْرِئُك السَّلَامَ، وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا تَقُولُهُ حَقًّا، فَقَالَ: قُلْ، لِلْعَبَّاسِ: يَنْتَظِرُنِي فِي خَلْوَةٍ حَتَّى آتِيَهُ، ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ سِرًّا بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: قَدْ ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَيْبَرَ.
وَأَنَا أَسْلَمْتُ، وَمَا فَارَقْتُ إلَّا بَعْدَ مَا جَرَتْ السِّهَامُ فِي غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَإِنَّمَا فَارَقْته عَرُوسًا مُتَزَوِّجًا بِابْنَةِ حَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لَكِنْ اُسْتُرْ عَلَيَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ حَتَّى جَمَعَ الْحَجَّاجُ مَالَهُ وَخَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَجَاءَ الْعَبَّاسُ إلَى بَيْتِ زَوْجَتِهِ وَقَالَ: أَيْنَ الْحَجَّاجُ؟ فَقَالَتْ: ذَهَبَ لِيَشْتَرِيَ غَنَائِمَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: كَلًّا إنَّهُ أَسْلَمَ وَفَرَّ بِمَالِهِ وَلَسْتِ لَهُ بِزَوْجَةٍ إلَّا أَنْ تَتْبَعِي أَثَرَهُ، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ الْحَقَّ مَا تَقُولُ فَإِنَّهُ مَا خَلَفَ عِنْدِي دِرْهَمًا مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَبَّاسُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَقَدْ لَبِسَ مِطْرَفَ خَزٍّ، فَجَعَلَ يَتَبَخَّرُ وَقُرَيْشٌ جُلُوسٌ يَتَدَبَّرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، إذَا قَدِمَ أَهْلُ خَيْبَرَ بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى الْعَبَّاسِ وَقَالَ: تَجَلَّدْ لِلْمُصِيبَةِ الْحَادِثَةِ؟ قَالَ: كَلًّا وَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْتَ عِنْدِي أَصْدَقُ مِنْ الْحَجَّاجِ، ثُمَّ بَعَثُوا إلَى زَوْجَتِهِ فَظَهَرَ لَهُمْ الْأَمْرُ عَلَى وَجْهِهِ، وَمَا انْكَسَرُوا بِشَيْءٍ مِثْلَ انْكِسَارِهِمْ يَوْمَئِذٍ.
ثُمَّ قَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْحَجَّاجَ مَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، كَمَا كَانَ وَهَذَا لَا يَكُونُ اسْتِئْمَانًا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ سَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute