للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا تَعْلَمُونَهُ. فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَصَابُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَ فِي أَمَانٍ أَوْ مُوَادَعَةٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ. وَكَانَ خَالِدٌ أَصَابَ ذَلِكَ خَطَأً، وَكَانَتْ عَاقِلَتُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ قُوَّتَهُ وَنُصْرَتَهُ كَانَتْ بِهِ. وَلِهَذَا أَدَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنَّ تَحَمُّلَ الْعَقْلِ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا أُطْلِقَ مِنْ لَفْظِ الدِّيَةِ فِي بَذْلِ الْمَالِ إنَّمَا أَطْلَقَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَالِاتِّبَاعُ لِبَذْلِ النَّفْسِ. فَاسْمُ الدِّيَةِ حَقِيقَةٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ بَذْلَ النَّفْسِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَدَاءِ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ مَجَازًا. وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ. فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا لَكُمْ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا تَعْلَمُونَهُ. وَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهُ.

- قَالَ: وَأَيُّمَا عَسْكَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا حِصْنًا أَوْ مَدِينَةً فَأَسْلَمَ بَعْضُهُمْ، كَانَ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] . فَأَمَّا زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا مَعَهُ فَهُمْ فَيْءٌ، لِأَنَّ الصِّغَارَ صَارُوا مُسْلِمِينَ تَبَعًا لَهُ. فَأَمَّا الْكِبَارُ مَا صَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ، وَزَوْجَتُهُ كَذَلِكَ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.

<<  <   >  >>