للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ: ٤٣٥ - مَقْصُودُهُ مِنْ طَلَبِ الْأَمَانِ لِقَرَابَتِهِ اسْتِنْقَاذُهُمْ لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَشَفَقَتُهُ عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ أَظْهَرُ مِنْ شَفَقَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْقَرَابَاتِ. فَلِمَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ أَدْخَلْنَاهُمْ فِي الْأَمَانِ وَلِأَنَّا إنَّمَا لَا نُدْخِلُهُمْ فِي هَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَبِيهِ هُوَ قَرِيبِي.

وَفِي فَصْلِ الْأَمَانِ الْجَفَاءُ فِي تَرْكِ اسْتِنْقَاذِهِ أَوْ طَلَبِ الْأَمَانِ لِغَيْرِهِ أَظْهَرُ. فَلَوْ أَدْخَلْنَاهُمْ فِي الِاسْمِ هَا هُنَا يُؤَدِّي إلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الْبِرِّ لَا إلَى الْجَفَاءِ وَالْعُقُوقِ. فَلِهَذَا أُدْخِلُوا فِي الْأَمَانِ.

٤٣٦ - قَالَ: وَلَوْ اسْتَأْمَنُوا عَلَى مَتَاعِهِمْ ثُمَّ ادَّعُوا جَيِّدَ الْمَتَاعِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَتَاعُ أُخِذَ مِنْ يَدِ بَعْضِ أَهْلِ الْمَطْمُورَةِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ، فَإِنْ صَدَّقُوهُمْ فَهُمْ مُصَدَّقُونَ، وَإِنْ كَذَّبُوهُمْ كَانَ فَيْئًا. لِأَنَّا عَرَفْنَا كَوْنَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَمْتِعَةِ لَهُ إلَى أَنْ أُخِذَ مِنْهُ. وَلِصَاحِبِ الْيَدِ قَوْلٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، كَمَا أَنَّ لِلْمَرْءِ قَوْلًا مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي؛ فَكَذَلِكَ فِي الْمَتَاعِ يُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَلَا يُقَالُ يَدُهُ زَائِلَةٌ فِي الْحَالِ. لِأَنَّ سَبَبَ زَوَالِهَا الْأَخْذُ عَلَى وَجْهِ الِاغْتِنَامِ. وَمَا ثَبَتَ فِي الْأَمَانِ لَا يَكُونُ مَحَلَّ الدَّاخِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى فِي النُّفُوسِ مَوْجُودٌ أَيْضًا فَقَدْ صَارَتْ مَأْخُوذَةً مِنْهُمْ بِالِاغْتِنَامِ حُكْمًا، وَمَعَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُمْ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ.

٤٣٧ - فَإِنْ ادَّعُوا بَعْدَ هَذَا التَّكْذِيبِ مَتَاعًا آخَرَ لَمْ يُصَدَّقُوا عَلَى ذَلِكَ.

<<  <   >  >>