للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ. لِأَنَّهُ آمِنٌ مِنْ الْقَتْلِ بِتَصَادُقِهِمَا. فَلَوْ جَازَ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالنُّكُولِ، وَالنُّكُولُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ بِدَلِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ؛ فَهَذَا مِثْلُهُ. قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا غَلَطٌ. لِأَنَّ إبَاحَةَ الْقَتْلِ هُنَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ النُّكُولِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُبَاحُ الدَّمِ فَبِنُكُولِهِ يَنْتَفِي الْمَانِعُ وَهُوَ الْأَمَانُ، فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْعَفْوَ عَلَى الْوَلِيِّ وَجَحَدَ الْوَلِيُّ وَحَلَفَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ وَلَا يَكُونُ هَذَا قَتْلًا بِالْيَمِينِ.

وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ قَدْ ارْتَفَعَتْ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمُدَّعِي. فَلَوْ جَازَ قَتْلُهُ بَعْدَ هَذَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُكُولِهِ. وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي النُّكُولِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالِاحْتِمَالِ. فَقَدْ يَكُونُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ. وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ لَمْ يَحْصُلْ. لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الرِّقِّ وَإِبَاحَةِ الْقَتْلِ. وَالْمَقْصُودُ بِالِاسْتِحْلَافِ هَذَا.

٤٤٦ - وَإِنْ قَالَ الَّذِي اسْتَأْمَنَ عَلَى مَتَاعِهِ: لَمَتَاعُ هَذَا مِنْ مَتَاعِي وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي يَدِ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا بَعْدَ مَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

<<  <   >  >>