لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَقْتُلَهُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ. وَلَوْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا كَانَ مُتَيَقِّنًا بِقَتْلِ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ. وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّحَرُّزِ عَمَّا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْكَفِّ عَنْ قَتْلِهِمْ جَمِيعًا. وَهَذَا لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَقَتْلُ الْحَرْبِيِّ الْأَسِيرِ مُبَاحٌ لَهُ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْفَرْضِ. وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ. فَهُنَا أَوْلَى.
٥٧٢ - فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ قُتِلَ بَعْضُهُمْ، أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ، أَوْ جُرِحَ بَعْضُهُمْ، فَلَمْ يُحِطْ الْعِلْمُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ كُلِّهِمْ.
لِأَنَّهُمْ وُجِدُوا فِي مَوْضِعِ الْحَرْبِ، وَالْمَانِعُ مِنْ قَتْلِهِمْ كَوْنُ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ. وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ، فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ كَانَ هُوَ الَّذِي مَاتَ أَوْ خَرَجَ مِنْهُمْ. وَهَذَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مُبَاحُ الدَّمِ.
وَإِنَّمَا يُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إلَّا أَنْ يُعَارِضَ الظَّاهِرَ يَقِينٌ بِخِلَافِهِ. فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَارَضَ الظَّاهِرَ يَقِينٌ وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ لَمْ يُعَارِضْ الظَّاهِرَ يَقِينٌ، فَبُنِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ.
٥٧٣ - فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ الذِّمِّيَّ فِيهِمْ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنَا الذِّمِّيُّ، فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ.
لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ، لَكِنْ يَثْبُتُ بِهِ اسْتِحْبَابُ الِاحْتِيَاطِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَاءً وَغَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَلَكِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِنَجَاسَتِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ. فَهَا هُنَا أَيْضًا الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْهُمْ.
٥٧٤ - وَإِنْ كَانَ لَوْ قَتَلَهُمْ، جَازَ. بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute