للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمَّا فِي قَوْلِهِ: اعْقِدُوا لِي، فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: عَاقِدُونِي فَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ فِي الْقِيَاسِ، كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ دُونَ الْأَمَانِ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ هُنَا لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي كَلَامِهِ دَلَالَةَ اشْتِرَاطِ الْأَمَانِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْأَمَانَ لِوَلَدِهِ وَلِعِيَالِهِ. وَالْمَقْصُودُ بِهِ إبْقَاؤُهُمْ. وَإِنَّمَا بَقَاؤُهُمْ بِبَقَائِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعُولُهُمْ بَعْدَ هَذَا، كَمَا كَانَ يَعُولُهُمْ مِنْ قَبْلُ. وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إلَّا إذَا تَنَاوَلَهُ الْأَمَانُ، فَإِنَّهُ إذَا قُتِلَ أَوْ اُسْتُرِقَّ لَا يَعُولُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَهَذَا فِي قَوْلِهِ: عَلَى مَالِي، أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ لِمَالِهِ سِوَى أَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، فَيَصْرِفَهُ إلَى حَوَائِجِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ الْأَمَانُ لَهُ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفِيرٍ فِي هَذَا الْعَقْدِ. فَالْعَاقِدُ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ سَفِيرًا عَنْ غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعِيَالِ وَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُومُوا بِمَصَالِحِهِ، أَوْ لِإِظْهَارِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَظْهَرُ. فَعَرَفْنَا أَنَّهُ طَلَبَ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا سَبَقَ.

٦٢٦ - وَلَوْ قَالَ: عَاقِدُونِي عَلَى الْأَمَانِ عَلَى عِيَالِ فُلَانٍ أَوْ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ. فَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ.

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ الْأَمَانِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ بَقَاءَ عِيَالِ فُلَانٍ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِبَقَائِهِ، وَبَقَاؤُهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ أَيْضًا بِقِيَامِهِمْ بِمَصَالِحِهِ. فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ عَلَى رَأْسِ الْحِصْنِ سَوَاءً.

وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ فُلَانًا الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ الْعِيَالُ وَالْوَلَدُ هَلْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَمَانِ أَمْ لَا؟ وَعَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الِاسْتِحْسَانُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ عِيَالِ فُلَانٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِأَمَانِ فُلَانٍ. وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ

<<  <   >  >>