للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ أَتَاهُمْ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْمُ آمِنِينَ. وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} [الحاقة: ٤٤] {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: ٤٥] {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٦] يَتَّضِحُ عِنْدَهُ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَدْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ نَحْوَ مُسَيْلِمَةَ وَنُظَرَائِهِ مِمَّنْ ادَّعَى الرِّسَالَةَ، وَلَمْ يُصِبْهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَعَرَفْنَا أَنَّ حَالَ الرُّسُلِ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَمَّنْ أَرْسَلَهُمْ لَا يَكُونُ كَحَالِ غَيْرِهِمْ.

٧٠٤ - وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّسُولُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا.؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْأَمَانِ مِنْ جِهَةِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ لَا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ. فَإِنَّ الرَّسُولَ فِي حِصْنِهِمْ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْهُمْ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ.

ثُمَّ هَذَا التَّقْصِيرُ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَمِيرِ حِينَ اخْتَارَ لِرِسَالَتِهِ كَافِرًا خَائِنًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ.

أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مُرْ كَاتِبَك فَلْيَدْخُلْ الْمَسْجِدَ وَلْيَقْرَأْ هَذَا الْكِتَابَ. فَقَالَ: إنَّ كَاتِبِي لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. قَالَ: وَلِمَ؟ أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، اتَّخَذْت بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَمَا سَمِعْت قَوْله تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨] . أَيْ. لَا يُقَصِّرُونَ فِي إفْسَادِ أُمُورِكُمْ.

٧٠٥ - فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: إنِّي قُلْت لَهُمْ هَذَا الَّذِي ادَّعَوْا، وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، وَقَدْ فُتِحَ الْحِصْنُ وَسَبَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ.

<<  <   >  >>