لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ الْعَدُوَّ عَلَى مَا رَأَيَا مِنْ الْعَوْرَةِ. فَإِنَّ اعْتِقَادَهُمَا يَحْمِلُهُمَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَيَّدَ هَذَا الظَّاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: ١١٨] .
٧٩٩ - وَإِنْ قَالَا: نَحْلِفُ أَنْ لَا نُخْبِرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. لَمْ يُصَدِّقْهُمَا فِي ذَلِكَ.
لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ شَهِدَ الظَّاهِرُ لَهُ. وَالظَّاهِرُ هُنَا يَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا يَقُولَانِ. فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى يَمِينِهِمَا. وَأَيَّدَ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢] أَيْ لَا أَيْمَانَ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ. وَهَذِهِ الْيَمِينُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْتَمِدَهَا، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُمَا عِنْدَهُ حَتَّى يَأْمَنَ.
إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَيِّدَهُمَا وَلَا أَنْ يَغُلَّهُمَا.
لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لَهُمَا، وَهُمَا فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا خِيَانَةً.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْحَبْسِ (ص ١٧٣) تَعْذِيبٌ أَيْضًا.
قُلْنَا: لَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا يَحْبِسُهُمَا الْحَبْسَ فِي السِّجْنِ. فَإِنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ. وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُمَا مِنْ الرُّجُوعِ وَيَجْعَلُ مَعَهُمَا حَرَسًا يَحْرُسُونَهُمَا. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَدْرِ تَعْذِيبٌ لَهُمَا بَلْ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَعْذِيبٍ مِنْ حَيْثُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَطَنِهِمَا فَالْمَقْصُودُ دَفْعُ ضَرَرٍ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ إيصَالِ الضَّرَرِ إلَى بَعْضِ النَّاسِ، تَرَجَّحَ أَهْوَنُ الضَّرَرَيْنِ عَلَى أَعْظَمِهِمَا. ثُمَّ هَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِحَرَسٍ يَجْعَلُهُ مَعَهُمَا. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمَا فَوْقَ ذَلِكَ بِالتَّقْيِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute