لِأَصْحَابِهِ أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هُمْ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: كَلًّا، إنَّمَا كَانَ الْيَوْمُ يَوْمَ زَحْمَةٍ ص ٢٠١ فَهَرَبُوا» .
وَالرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى ابْنَ مَسْعُودٍ سَيْفَهُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْضًا أَعْطَاهُ سَلَبَهُ.
فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي جَرَحَهُ مَا أَثْخَنَهُ، فَيَكُونُ قَاتِلُهُ مَنْ قَطَعَ رَأْسَهُ. وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ أَعْطَى سَلَبَهُ غَيْرَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ أَثْخَنَهُ وَصَيَّرَهُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقِتَالُ، فَيَكُونُ السَّلَبُ لَهُ دُونَ مَنْ قَطَعَ رَأْسَهُ. وَإِنَّمَا أَعْطَى سَيْفَهُ ابْنَ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ كَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَّا.
وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ مَنْ يُجَوِّزُ التَّنْفِيلَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَعْطَاهُ سَيْفَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنْفِيلِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ بِالتَّنْفِيلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَهُ الْإِمَامُ لِغَيْرِهِ، كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى سَيْفِهِ فِضَّةٌ؟ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الشَّامِ لَا نَفْلَ فِي ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، عَلَى مَا بَيَّنَهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا تَنْفِيلًا، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ.
- وَذُكِرَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» .
وَتَمَامُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ «أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ. فَلَقِيت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَأَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ وَضَرَبْت عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، فَتَرَكَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي إلَى نَفْسِهِ ضَمَّةً شَمَمْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْته يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute