لِأَنَّ التَّنْفِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْجَزَاءِ وَالْعَنَاءِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْأَسْرِ وَالْقَتْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (ص ٢٠٧) لَا سَلَبَ فِي يَوْمِ هَزِيمَةٍ وَلَا فَتْحٍ. فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ الْأَسْلَابَ مِنْ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى فِي الْهَزِيمَةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا أَوْ أَسَرَ قَبْلَ الْهَزِيمَةِ أَوْ الْفَتْحِ فَلَهُ سَلَبُهُ، وَلْيَتِمَّ النَّظَرُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي قَتْلِ الْمُنْهَزِمِ إلَى عَظِيمِ جَزَاءٍ وَعَنَاءٍ. وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَتْحِ.
فَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَهُوَ لَهُ. فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ مَا شَرَطَ الْإِمَامُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْهَزِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَبِمُجَرَّدِ الْمَقْصُودِ لَا يَثْبُتُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بَلْ يَجِبُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَسَرُوا كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ؟ بَلْ كَانَتْ عَامَّةُ الْأُسَرَاءِ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ. ثُمَّ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسْرَى لِمَنْ أَسَرُوهُمْ، حَتَّى أَخَذُوا فِدَاءَهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَصْلُحُ مِنْ السَّلَبِ السِّلَاحُ وَالثِّيَابُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالدَّابَّةُ، فَمَا كَانَ مَعَ الْعِلْجِ بَعْدَ هَذَا فَلَا سَلَبَ فِيهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا مَعَهُ مِمَّا خَلَّفَهُ فِي الْمُعَسْكَرِ لَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى فَرَسِهِ الَّذِي خَرَجَ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ السَّلَبِ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ اسْمٌ لِمَا يُسْلَبُ مِنْهُ. فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا مَعَهُ خَاصَّةً مِمَّا إذَا قُتِلَ هُوَ لَا يَبْقَى مَانِعٌ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الْقَاتِلِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا خَلَّفَهُ مِنْ الْمُعَسْكَرِ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاتِلِ. فَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ أَخْذِهِ بِقَتْلِ الْعِلْجِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ بَغْلَةٌ عَلَيْهَا مَتَاعُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَلَبِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute