فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ الْمُتَأَكِّدِ فِيهِ. وَذُكِرَ بَعْدَ هَذَا: أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْجَيْشِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَأَكَّدَ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ، فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ مُفِيدًا لَهُمْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْأَخْذِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَحْرَزَ الْكُفَّارُ شَيْئًا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِالْمِثْلِ، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا، وَبِخِلَافِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي حَبْسِ الْعَيْنِ ثَابِتٌ، فَيَكُونُ الْأَخْذُ مُفِيدًا فِي حَقِّهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْغَنَائِمِ الْمُحْرَزَةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُنَفَّلِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ (ص ٢١٦) ، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي لَا نَفْلَ فِيهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ، فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ وَأَحْرَزُوهَا ثُمَّ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُمْ جَيْشٌ آخَرُ، فَلَا سَبِيلَ لِلْجَيْشِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ. لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُمْ كَانَ حَقًّا ضَعِيفًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَمْ يُورَثْ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ شَارَكُوهُمْ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ. وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ يُبْطِلُ إحْرَازَ الْمُشْرِكِينَ الْمَالَ بِدَارِهِمْ فَكَأَنَّهَا مَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ حَتَّى الْآنَ.
وَأَمَّا فِي الْمُنَفَّلِ فَالْحَقُّ مُتَأَكِّدٌ لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، حَتَّى إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَا يَشْرَكُهُمْ الْمَدَدُ فِي ذَلِكَ إذَا لَحِقُوهُمْ. فَلِهَذَا وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute