للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّدْبِيرِ لِذَلِكَ، لَيْسَ مِمَّنْ يُقْحِمُ بِهِمْ فِي الْمَهَالِكِ، وَلَا مِمَّنْ يَمْنَعُهُمْ عَنْ الْفُرْصَةِ إذَا رَأَوْهَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ لَهُمْ، وَتَمَامُ النَّظَرِ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ مَنْ جَرَّبَهُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْفُرْصَةِ يُفَوِّتُهُمْ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إدْرَاكِهِ، عَلَى مَا قِيلَ: الْفُرْصَةُ خِلْسَةٌ. وَإِذَا اقْتَحَمَ فِي الْمَهَالِكِ مِنْ جُرْأَتِهِ لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنْ مُتَابَعَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ هُوَ بِقُوَّتِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ مَا قَدَرَ هُوَ فَيَهْلِكُونَ.

٤٦ - وَرَوَى فِي تَأْيِيدِ هَذَا حَدِيثَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ: لَا تَسْتَعْمِلُوا الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ مِنْ الْهُلَّكِ يُقْدِمُ بِهِمْ.

وَالْبَرَاءُ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ مِنْ جُمْلَةِ كِبَارِ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ فِي الزُّهْدِ. وَفِي دَرَجَتِهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ بِهِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْأَمْرَ اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ فَقِيلَ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: أَلَا تَدْعُو؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا قَالَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ امْنَحْنَا أَكْتَافَهُمْ. فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ فِي الْحَالِ. وَمَعَ هَذَا نَهَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ تَأْمِيرِهِ لِجُرْأَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْتَحِمُ الْمَهَالِكَ وَلَا يُبَالِي بِهِ.

<<  <   >  >>