للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ عَدَا عَلَى شَاةٍ فَقَطَعَ أَوْدَاجَهَا أَوْ نَثَرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَضْطَرِبُ عِنْدَ الذَّبْحِ.

وَمِثْلُهُ لَوْ عَقَرَهَا الذِّئْبُ عَقْرًا يُعْلَمُ أَنَّ آخِرَ ذَلِكَ الْمَوْتُ إلَّا أَنَّهَا تَعِيشُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَذَبَحَهَا صَاحِبُهَا جَازَ أَكْلُهَا. وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] .

وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَاةٍ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا فَخَرَجَ قَصَبُهَا فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا. قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ لَا يَتَبَدَّلُ إلَّا بِمِثْلِهِ. فَالرُّوحُ قَبْلَهُ كَانَ مُتَيَقَّنًا بِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يَتَيَقَّنُ بِهِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَهُ، وَمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُجْعَلُ مَقْتُولًا، بَلْ إنَّمَا يُجْعَلُ مَقْتُولًا بِحَزِّ الرَّأْسِ.

١١٩٦ - فَإِنْ قَالَ الَّذِي اجْتَزَّ رَأْسَهُ: اجْتَزَزْت رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَقَالَ الضَّارِبُ: بَلْ اجْتَزَزْت رَأْسَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ. فَإِنَّهُ يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. فَإِنْ كَانَ فِعْلُ الضَّارِبِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ أَوْ إلْقَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ فِعْلَهُ قَاتِلُهُ وَفِعْلَ الثَّانِي كَذَلِكَ.

وَعِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْأَثَرِ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِالسَّبْقِ.

وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي وَالسَّلَبُ لَهُ.

لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّ فِعْلَ الثَّانِي قَتْلٌ، وَلَا نَتَيَقَّنُ بِهِ فِي فِعْلِ الْأَوَّلِ. وَلَا مُعَارَضَةَ

<<  <   >  >>