للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَقَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الَّذِي جَاءَ بِهِ كَانَ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ؛ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَيَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَعَلَّلَ فَقَالَ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لَهُ فِي يَدِهِ. فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ. وَإِذَا فَعَلَهُ صَارَ ضَامِنًا، بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. فَإِنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي " شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَرَّرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ فِي حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ.

١٨٣٧ - وَأَمَّا الَّذِي جَاءَ بِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ رَاجِلٌ فِي جَمِيعِ الْغَنَائِمِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْقِتَالَ حِينَ دَخَلَ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارِسًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْفَرَسِ كَالْغَاصِبِ وَلَكِنْ قَالَ: هُوَ مَا أَدْخَلَ الْفَرَسَ لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَدْخَلَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. وَلِأَنَّ الضَّمَانَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَهُ، فَكَيْفَ يَصِيرُ هُوَ فَارِسًا بِفَرَسٍ لَوْ لَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ رَاجِلًا مِنْ الْغُزَاةِ إذَا أَوْدَعَهُ رَجُلٌ فَرَسًا فَأَدْخَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَارِسًا بِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.

<<  <   >  >>