فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْغَازِي أَنْ يُظْهِرَ الرَّغْبَةَ فِي سَهْمِهِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، قَلَّ سَهْمُهُ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُ كَسْبِهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُصَابٌ بِطَرِيقٍ فِيهِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازُ الدِّينِ. وَذَلِكَ أَشْرَفُ جِهَاتِ إصَابَةِ الْمَالِ.
وَالْمُرَادُ بِصَفْقَةِ يَدِهِ التِّجَارَةُ، وَلَكِنَّهَا بِشَرْطِ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَمُرَاعَاةِ حُدُودِ الشَّرْعِ.
وَمَا تُعْطِيهِ الْأَرْضُ الْمُرَادُ الزِّرَاعَةُ، فَهِيَ تِجَارَةٌ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ» .
١٨٧٨ - وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدْلًا وَصِيًّا عَالِمًا بِالْأُمُورِ مُجَرِّبًا لَهَا. فَإِذَا مَيَّزَ الْخُمُسَ جَعَلَ عَلَى الْخُمُسِ أَيْضًا رَجُلًا أَمِينًا حَافِظًا كَاتِبًا عَالِمًا.
لِأَنَّهُ يَعْجَزُ بِنَفْسِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقِسْمَةِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ فَيَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ مَنْ يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرَائِطِ الَّتِي قَالَهَا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ مَحْمِيَّةَ بْنَ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ عَلَى خُمُسِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَكَانَتْ تُجْمَعُ إلَيْهِ الْأَخْمَاسُ، وَكَانَتْ الصَّدَقَاتُ عَلَى حِدَةٍ لَهَا أَهْلٌ، وَلِلْفَيْءِ أَهْلٌ، وَكَانَ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَةِ الْيَتِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْمِسْكِينَ. فَإِذَا احْتَلَمَ الْيَتِيمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ نُقِلَ إلَى الْفَيْءِ، وَإِنْ كَرِهَ الْجِهَادَ لَمْ يُعْطَ مِنْ الصَّدَقَةِ شَيْئًا، وَأُمِرَ بِأَنْ يَكْسِبَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُ سَائِلًا شَيْئًا فَأَتَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute