وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ، حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} [محمد: ٤] الْآيَةَ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ إلَى غَايَةِ الْأَسْرِ، ثُمَّ جَعَلَ الْحُكْمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَنَّ أَوْ الْفِدَاءَ.
وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْأَسْرِ قِصَّةُ بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَدْ قَتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَسْرِ، وَبَعْدَ مَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا. «وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بِالْأَثِيلِ وَكَانَا مِنْ أَسَارَى بَدْرٍ» . (ص ٣٤٠) وَقَتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْبَدَ بْنَ وَهْبٍ وَقَدْ كَانَ أَسَرَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: يَا عُمَرُ أَتَحْسِبُونَ أَنَّكُمْ غَلَبْتُمْ، كَلًّا وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى. فَقَالَ: أَتَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِينَا؟ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بُرْدَةَ وَضَرَبَ عُنُقَهُ.
وَلِأَنَّ الْأَمْنَ عَنْ الْقَتْلِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْأَمَانِ أَوْ بِالْإِيمَانِ، وَبِالْأَسْرِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَبَقِيَ مُبَاحَ الدَّمِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْأَسْرِ. وَهُوَ بِالْأَسْرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَارَبًا، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُحَارَبَةِ لِكَوْنِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِينَا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ فِي الدِّينِ.
فَيَجُوزُ قَتْلُهُ كَالْمُرْتَدِّ الْمَقْهُورِ فِي أَيْدِينَا، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] فَمَنْسُوخٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute