للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى أَنَّ حَوَاسَّهَا كَانَتْ مُدْرِكَةً، وَذَلِكَ لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَبَّهَا كَانَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْغَشْيُ مَرَضٌ يَعْرِضُ مِنْ طُولِ التَّعَبِ وَالْوُقُوفِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِغْمَاءِ إِلَّا أَنَّهُ دُونَهُ، وَلَوْ كَانَ شَدِيدًا لَكَانَ كَالْإِغْمَاءِ وَهُوَ يُنْقِضُ الْوُضُوءَ بِالْإِجْمَاعِ، (فَحَمِدَ اللَّهَ) وَلِابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَلِابْنِ يُوسُفَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) حَمِدَ اللَّهَ (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ (ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ) مِنَ الْأَشْيَاءِ ( «كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ» ) رُؤْيَةُ عَيْنٍ حَقِيقَةٌ (فِي مَقَامِي) بِفَتْحِ الْمِيمِ (هَذَا) صِفَةٌ لِمَقَامِي، وَتَعَسَّفَ مَنْ جَعَلَهُ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: هُوَ هَذَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ (حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ) ضُبِطَ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِيهِمَا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ، فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ " حَتَّى " ابْتِدَائِيَّةٌ، وَ " الْجَنَّةُ " مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ؛ أَيْ: مَرْئِيَّةٌ، وَ " النَّارُ " عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي " رَأَيْتُهُ "، وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى الْمَجْرُورِ السَّابِقِ وَهُوَ شَيْءٌ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ زِيَادَةُ " مِنْ " مَعَ الْمَعْرِفَةِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَلِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، وَمُفَادُ الْإِغْيَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُمَا قَبْلُ مَعَ أَنَّهُ رَآهُمَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ قَبْلَ الْكُسُوفِ بِزَمَانٍ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا فِي الْأَرْضِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي مَقَامِي، أَوْ بِاخْتِلَافِ الرُّؤْيَةِ.

( «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ» ) تُمْتَحَنُونَ وَتُخْتَبَرُونَ (فِي الْقُبُورِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ أُعْلِمَ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قَالَ: وَلَيْسَ الِاخْتِبَارُ فِي الْقَبْرِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِظْهَارُ الْعَمَلِ، وَإِعْلَامٌ بِالْمَآلِ وَالْعَاقِبَةِ كَاخْتِبَارِ الْحِسَابِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالتَّكْلِيفَ قَدِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ (مِثْلَ) بِلَا تَنْوِينٍ (أَوْ قَرِيبًا) بِالتَّنْوِينِ (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) الْكَذَّابِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْفِتْنَتَيْنِ الشِّدَّةُ وَالْهَوْلُ وَالْهُمُومُ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: شَبَّهَهَا بِهَا لِشَدَّتِهَا، وَعِظَمِ الْمِحْنَةِ بِهَا، وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ مَعَهَا.

قَالَتْ فَاطِمَةُ: (لَا أَدْرِي أَيَّتُهُمَا) بِتَحْتِيَّةٍ وَفَوْقِيَّةٍ؛ أَيْ: لَفْظُ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا (قَالَتْ أَسْمَاءُ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِتَرْكِ تَنْوِينِ " مِثْلَ " وَتَنْوِينِ " قَرِيبًا ".

وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَهُ مِثْلَ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَحُذِفَ مَا أُضِيفَ إِلَى مِثْلَ، وَتُرِكَ عَلَى هَيْئَتِهِ قَبْلَ الْحَذْفِ، وَجَازَ الْحَذْفُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ، تَقْدِيرُهُ: بَيْنَ ذِرَاعَيِ الْأَسَدِ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: بِتَرْكِ التَّنْوِينِ فِي قَرِيبًا أَيْضًا، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى فِتْنَةٍ أَيْضًا، وَإِظْهَارُ حَرْفِ الْجَرِّ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَ قَوْمٍ، نَقَلَهُ الْحَافِظُ عَنِ ابْنِ مَالِكٍ.

وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ أَسْمَاءَ: «قَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يُفْتَنُ فِيهَا الْمَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ آخِرَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا سَكَتَ ضَجِيجُهُمْ قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّي: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ مَاذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ كَلَامِهِ؟ قَالَ: قَالَ: قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>