للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لُغَاتِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْصَحُهَا

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعَةُ أَوْجَهٍ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ نَحْوَ أَقْبِلْ وَتَعَالَ وَهَلُمَّ وَعَجِّلْ وَأَسْرِعْ، وَعَلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ وَهْبٍ وَخَلَائِقُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لَكِنَّ الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَقَعْ بِالتَّشَهِّي، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ بِمُرَادِفِهَا مِنْ لُغَتِهِ، بَلْ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ كُلٍّ مِنْ عُمَرَ وَهِشَامٍ: أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَئِنْ سَلِمَ إِطْلَاقُ الْإِبَاحَةِ بِقِرَاءَةِ الْمُرَادِفِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ، لَكِنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ زَمَنَ عُثْمَانَ الْمُوَافِقَ لِلْعُرْضَةِ الْأَخِيرَةِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ هَلِ السَّبْعَةُ بَاقِيَةٌ إِلَى الْآنِ يُقْرَأُ بِهَا أَمْ كَانَ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَى الْأَمْرِ بَعْضُهَا؟ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى الثَّانِي كَابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَالطَّبَرِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ، وَهَلِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ أَمْ بَعْدَهُ؟ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُمْ ; لِأَنَّ ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَمَشَقَّةَ نُطْقِهِمْ بِغَيْرِ لُغَتِهِمُ اقْتَضَتِ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَأُذِنَ لِكُلٍّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى حَرْفِهِ أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي اللُّغَةِ حَتَّى انْضَبَطَ الْأَمْرُ وَتَدَرَّبَتِ الْأَلْسُنُ وَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَارَضَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَقَرَّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ فَنَسَخَ اللَّهُ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْمَأْذُونَ فِيهَا بِمَا أَوْجَبَهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَلَقَّاهَا النَّاسُ.

قَالَ أَبُو شَامَةَ: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ

وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ كَعَاصِمٍ وَنَافِعٍ هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَوَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَنْ لَا يَكُونُ قُرْآنًا، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ بَيَّنَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْقُرَّاءِ إِنَّمَا هُوَ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>