بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ أَطْلِقْهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَمْسُوكًا مَعَهُ (ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ) يَا هِشَامُ، (فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ) بِهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ) يَا عُمَرُ (فَقَرَأْتُهَا) ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ: " فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي " (فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ) ثُمَّ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَطْيِيبًا لِقَلْبِ عُمَرَ لِئَلَّا يُنْكِرَ تَصْوِيبَ الْأَمْرَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) جَمْعُ حَرْفٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَأَفْلُسٍ (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) أَيِ الْمُنَزَّلِ بِالسَّبْعَةِ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حِكْمَةَ التَّعَدُّدِ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْقَارِئِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ تَفْسِيرُ الْأَحْرُفِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا عُمَرُ وَهِشَامٌ مِنْ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، نَعَمِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ دُونَهُمْ فِي أَحْرُفٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي التَّمْهِيدِ بِمَا يَطُولُ، وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِعُمَرَ مَعَ هِشَامٍ، كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ رَجُلٍ فِي آيَةٍ مِنَ الْفُرْقَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ رَجُلٍ فِي سُورَةٍ مِنْ آل حم، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ رَفَعَهُ " «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ» " رَوَاهُ الْحَاكِمُ قَائِلًا: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِالسَّبْعَةِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو شَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُ أُنْزِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ كَجَذْوَةٍ وَالرَّهْبِ، أَوْ أَرَادَ أُنْزِلَ ابْتِدَاءً عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ ثُمَّ زِيدَ إِلَى سَبْعَةٍ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي السَّبْعَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ بَلِ التَّسْهِيلَ وَالتَّيْسِيرَ وَالشَّرَفَ وَالرَّحْمَةَ وَخُصُوصِيَّةَ الْفَضْلِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ لَفْظَ سَبْعَةٍ يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الْآحَادِ كَمَا يُطْلَقُ السَّبْعُونَ فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةِ فِي الْمِئِينَ وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَرُدَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ". وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " «إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ". وَلِلنَّسَائِيِّ: " «إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَانِي فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَلَى يَمِينِي وَمِيكَائِيلُ عَلَى يَسَارِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ» ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ: " «فَنَظَرْتُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَسَكَتَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ» ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْعَدَدِ وَانْحِصَارِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ قَوْلًا أَكْثَرُهَا غَيْرُ مُخْتَارٍ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا أَثَرٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ النَّحْوِيُّ: هَذَا مِنَ الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ ; لِأَنَّ الْحَرْفَ يَأْتِي لِمَعَانٍ لِلْهِجَاءِ وَلِلْكَلِمَةِ وَلِلْمَعْنَى وَالْجِهَةِ، انْتَهَى.
وَأَقْرَبُهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ سَبْعُ لُغَاتٍ، وَعَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَثَعْلَبُ وَالزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْبَيْهَقِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute